مذاهب العلماء فيمن وجد لقطة ولم يعرفها حتى انقضى الحول

0 219

السؤال

وجد أخي منشفة في أمتعته بعدما عاد من رحلة مدرسية مع طلاب صفه, وكان هو الآخر قد فقد أخرى, وقد مضى على هذه الحادثة فترة من الزمن, ولم يأمره أحد بالبحث عن صاحبها, أو السؤال عنه, ولم يسأل أحد عنها من طلاب صفه, وأنا أستعملها أحيانا عندما أضطر لذلك, فهل أنا آثم؟ وماذا يجب علي فعله؟ خاصة أني إن تكلمت لأهلي عنها فإنهم سيضحكون مني.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

 فلا تخلو المنشفة من حالين:

1- أن تكون زهيدة الثمن، بحيث لا تتعلق بها همم أوساط الخلق، فلا يجب تعريفها، ويجوز تملكها، والانتفاع بها، وراجع الفتويين: 46279، 122175.

2- أن تكون قيمتها كبيرة بحيث تتبعها نفس صاحبها، فعلى أخيك تعريفها سنة، فإن فعل فلم يأت صاحبها، جاز له تملكها, فإذا لم يعرفها عامدا عالما بحكم التعريف فقد أثم، ولا يحق له تملكها، وراجع الفتاوى: 115905، 28350، 114140.

فإن لم يعرفها، حتى انقضى الحول، فهل يعرفها بعد أم لا؟

اختلف العلماء على قولين؛ قال الجويني الشافعي في نهاية المطلب: ولو أخر التعريف، فقد ذكرنا فيه أنه هل يكون بتأخيره ضامنا؟ فعلى وجهين, فلو تمادى التأخير، وأمكن أن يقال: نسيت اللقطة في طول هذا الزمان، فهل يقع التعريف بعد ذلك - والحالة كما وصفناها -؟ فعلى وجهين, والاحتمال فيهما ظاهر، وتوجيههما بين, ومن يصير إلى التعريف يقول: حق المعرف أن يؤرخ وجدان اللقطة في تعريفه، ويسنده إلى الوقت الذي اتفق فيه، حتى يكون ذلك في معارضة ما جرى من التأخير المنسي.

وقال ابن قدامة في المغني: فصل: إذا أخر التعريف عن الحول الأول، مع إمكانه أثم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر به فيه، والأمر يقتضي الوجوب, وقال في حديث عياض بن حمار: لا يكتم ولا يغيب, ولأن ذلك وسيلة إلى أن لا يعرفها صاحبها، فإن الظاهر أنه بعد الحول ييأس منها، ويسلو عنها، ويترك طلبها, ويسقط التعريف بتأخيره عن الحول الأول، في المنصوص عن أحمد؛ لأن حكمة التعريف لا تحصل بعد الحول الأول، وإن تركه في بعض الحول، عرف بقيته, ويتخرج أن لا يسقط التعريف بتأخره؛ لأنه واجب، فلا يسقط بتأخيره عن وقته، كالعبادات وسائر الواجبات, ولأن التعريف في الحول الثاني يحصل به المقصود على نوع من القصور، فيجب الإتيان به؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم فعلى هذا إن أخر التعريف بعض الحول، أتى بالتعريف في بقيته، وأتمه من الحول الثاني, وعلى كلا القولين، لا يملكها بالتعريف فيما عدا الحول الأول؛ لأن شرط الملك التعريف في الحول الأول، ولم يوجد, وهل له أن يتصدق بها أو يحبسها عنده أبدا؟ على روايتين, ويحتمل أن يلزمه دفعها إلى الحاكم، كقولنا فيما إذا التقط ما لا يجوز التقاطه, ولو ترك التعريف في بعض الحول الأول، لم يملكها أيضا بالتعريف فيما بعده؛ لأن الشرط لم يكمل، وعدم بعض الشرط كعدم جميعه، كما لو أخل ببعض الطهارة، أو ببعض السترة في الصلاة.

فصل: وإن ترك التعريف في الحول الأول؛ لعجزه عنه، مثل أن يتركه لمرض, أو حبس, أو نسيان, ونحوه، ففيه وجهان؛ أحدهما: أن حكمه حكم ما لو تركه مع إمكانه؛ لأن تعريفه في الحول سبب الملك، والحكم ينتفي لانتفاء سببه، سواء انتفى لعذر أو غير عذر, والثاني، أنه يعرفه في الحول الثاني، ويملكه؛ لأنه لم يؤخر التعريف عن وقت إمكانه، فأشبه ما لو عرفه في الحول الأول." انتهى.

وعلم من تعليل من منع التعريف في الحول الثاني باليأس من صاحبها، أنه إذا غلب على الظن أن صاحبها يصل إليها عرفها، وهذا ظاهر في سؤالك؛ لأن مجال التعريف - طلاب محصورون - مما يسهل الوصول لصاحبها، وعليه؛ فيجب التعريف.

تنبيه: إذا دلت القرائن على أن طالبا سرق منشفة أخيك، وترك هذه المنشفة، جاز أخذها بلا تعريف؛ قال المرداوي في الإنصاف: لو أخذ متاعه، أو ثوبه، وترك له بدله، فالصحيح من المذهب: أنه لقطة, نص عليه في رواية ابن القاسم، وابن بختان, وجزم به في الوجيز، وغيره, وقدمه في المغني، والشرح، وشرح الحارثي، وابن رزين، والفروع، والفائق، وغيرهم, وقيل: لا يعرفه مع قرينة سرقة, وهو احتمال للمصنف, قلت: وهو عين الصوابوراجع الفتوى: 78435.
وعليه؛ فالواجب عليك توصيف حال المنشفة على ما سبق، وإخبار أخيك بهذه الأحكام، فإن كانت المنشفة من القسم الثاني، فليس لك الانتفاع بها.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة