السؤال
ارتديت النقاب منذ شهر ونصف وأحسست بضيق ولخمة وحر عند الخروج أو التسوق أو السفر وزيارة أهلي وأخوات الزوج، لأنهم في بلدة بعيدة عني، والجلوس عندهم بالنقاب لمدة خمسة أيام مثلا، وعندي طفل يحتاج الرعاية ـ عنده سنتان ونصف ـ من أكل واستحمام ودخول الحمام وتشطيف ومساعدة والوقوف في المطبخ وغسل المواعين عند أهل زوجي، وفي آخر مرة لم أسافر لهذا السبب، وزوجي سيسفرني قبل العيد، وأحس بالهم عند أي مشوار خوفا من التعرض للأذى في هذه الفتنة، لأنهم اعتدوا على أمي في الشارع، كما اعتدوا على المنتقبات بكسر الشقة عليهن وأخذتهن الشرطة، فخلعته بالفعل، فهل علي إثم فيما عملت وأستغفر ربنا، مع أنني ألبس العباءات.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فتغطية المرأة وجهها واجبة على الصحيح المفتى به عندنا، وهو مذهب الإمام أحمد، والصحيح من مذهب الشافعية، وهو مذهب الحنفية والمالكية إذا فسد الزمان وضعفت القلوب وانتشرت الفتنة، وهذا زماننا، وقد قال تعالى: وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن {الأحزاب:53}.
فبين الله أن كونهن من وراء الحجاب لا يرى منهن الأجانب شيئا سبب إلى طهر القلوب، وقد قالت عائشة ـ رضي الله عنها ـ عن صفوان في حديث حادثة الإفك: فرأى سواد إنسان نائم، فأتاني فعرفني حين رآني، وكان رآني قبل الحجاب، فاستيقظت باسترجاعه حين عرفني، فخمرت وجهي بجلبابي. رواه البخاري.
فدل على أنه بعد الحجاب لم يرها، ولو لم يكن رآها قبل الحجاب لما عرفها، وهذا دليل على أن الحجاب يشمل الوجه، ولذلك قالت:فخمرت وجهي بجلبابي.
وقد قال تعالى: يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين {الأحزاب:59}.
وهذا في نساء النبي وغيرهن، بل غيرهن أولى بالفتنة والافتتان، وعلى هذا، فإن الواجب عليك الاتباع في ذلك، وما ذكرت من الإحساس بالضيق والحر وطول الضيافة عند أهل زوجك ورعاية طفلك وطبخ الطعام ليس في شيء من ذلك عذر يبيح لك ترك الانتقاب، فكل هذا كان في عهد النبوة وما بعده ولم يبح للنساء ترك الاحتجاب، بل كان أثر الحر أشد، وقد تسافر المرأة لأيام وأسابيع تحت حر الشمس ولا تبدي وجهها للرجال، كما قالت عائشة رضي الله عنها: كان الركبان يمرون بنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم محرمات، فإذا حاذوا بنا سدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها، فإذا جاوزونا كشفناه.
فإن كان النقاب المشدود يضيق عليك التنفس أمكنك استبداله بساتر آخر يسدل على الوجه دون شد، وحاولي إقناع زوجك ليتفهم عذرك في عدم الذهاب معه حتى يسعى لك في توفير الظروف المناسبة، من تخصيص غرفة للنساء يتسنى لك فيها الجلوس بعيدا عن غير محارمك من الرجال، أو إفهامه إخوته بألا يدخلوا المرافق المشتركة في المنزل كالمطبخ ونحوه حيث تكونين فيها، حتى يتسنى لك استخدامها بحرية في قضاء حوائجك وحوائج أطفالك، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: إياكم والدخول على النساء، فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله، أفرأيت الحمو؟ قال: الحمو الموت. رواه الشيخان.
والحمو قريب زوجها من غير محارمها، قال أهل العلم: لأن دخوله أخطر من دخول الأجنبي وأقرب إلى وقوع الجريمة، لأن الناس يتساهلون بخلطة الرجل بزوجة أخيه والخلوة بها فيدخل بدون نكير، قالوا: ومنع الدخول يستلزم منع الخلوة من باب أولى.
وأما ما ذكرت من خشية التعرض للأذى بسبب النقاب، فإن كان الأذى بمجرد التعرض بالكلام والسخرية والاستهزاء فليس لك ذلك، أما إن تحقق الضرر باعتداء وضرب وإكراه فلك تركه مدة الخوف، ثم تلبسينه عند أمنك منهم، وللحكم على تحقق الضرر في بلدك فعليك استفتاء أهل العلم من بلدك، فهم أدرى منا بالحال والواقع.
والله أعلم.