الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله أن يفرج همكم, ويسهل أمركم, ويرزقكم من حيث لا تحتسبون.
أما ما يتعلق بسؤالك إيانا تحديد سبب ما أنتم فيه من الكرب والبلاء: فهذا لا سبيل لنا إليه، فإن هذه الأمور غيبية لا يعلمها إلا الله، لكن على المرء أن يراجع نفسه فلعله أذنب ذنبا، أو قصر في شيء من حقوق الله من صلاة، أو صيام ونحوهما، أو شيء من حقوق العباد، قال تعالى: وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير {الشورى:30}.
وذلك أن التقوى سبيل إلى الرزق، إذا قرنت بالتوكل الصادق على الله مع اتخاذ الأسباب، قال تعالى: ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيء قدرا {الطلاق:2ـ3}, وقال: ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا {الطلاق:4}.
ثم قد يكون الإنسان تقيا كل التقى، ثم يبتلى مع ذلك في شيء من الرزق من مال، أو ولد، أو عافية، بل قد ابتلى الله الأنبياء الذين هم خير الخلق، هذا في ولده، وهذا في نفسه وبدنه وعافيته، وهذا في غير ذلك، وذلك ليعلم الله المؤمنين الصادقين الصابرين، ويرفع درجاتهم، قال تعالى: ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلو أخباركم {محمد:31}.
ثم يدخلهم الجنة بحسب درجاتهم، قال تعالى: أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين {آل عمران:142}.
ويتفاوت البلاء، فإن كلا مبتلى بحسب إيمانه، كما في المسند من حديث سعد بن أبي وقاص قال: قلت: يا رسول الله, أي الناس أشد بلاء؟ قال: الأنبياء، ثم الصالحون، ثم الأمثل، فالأمثل من الناس، يبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان في دينه صلابة زيد في بلائه، وإن كان في دينه رقة خفف عنه، وما يزال البلاء بالعبد حتى يمشي على ظهر الأرض ليس عليه خطيئة.
وقد بشر الله الصابرين على البلاء، فقال: ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون {البقرة:155، 156}.
فهذا الاسترجاع والاحتساب من الإيمان ودليل عليه، فإن المصيبة من الله، ومن صبر على المصيبة كان صابرا على قدر الله عز وجل الذي قدره له قبل خلق السماوات والأرض، قال الله: ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله ومن يؤمن بالله يهد قلبه والله بكل شيء عليم {التغابن:11}.
وقال: ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها {الحديد:22}.
فإذا صبر المؤمن على الضراء كان له من الخير العظيم مما يجعل أمره عجبا، كما في صحيح مسلم من حديث صهيب عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: عجبا لأمر المؤمن، إن أمره كله خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر، فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر، فكان خيرا له.
وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ جوابا لمن حالهم كحالكم يرشدهم فيه إلى دواء ينفعهم في ذلك، فقال: دواؤه الالتجاء إلى الله, ودوام التضرع والدعاء، بأن يتعلم الأدعية المأثورة ويتوخى الدعاء في مظان الإجابة, مثل آخر الليل, وأوقات الأذان والإقامة، وفي سجوده، وفي أدبار الصلوات، ويضم إلى ذلك الاستغفار، فإنه من استغفر الله ثم تاب إليه متعه متاعا حسنا إلى أجل مسمى، وليتخذ وردا من الأذكار طرفي النهار ووقت النوم، وليصبر على ما يعرض له من الموانع والصوارف، فإنه لا يلبث أن يؤيده الله بروح منه, ويكتب الإيمان في قلبه، وليحرص على إكمال الفرائض من الصلوات الخمس بباطنه وظاهره، فإنها عمود الدين، وليكن هجيراه: لا حول ولا قوة إلا الله العلي العظيم، فإنه بها يحمل الأثقال, ويكابد الأهوال, وينال رفيع الأحوال، ولا يسأم من الدعاء والطلب، فإن العبد يستجاب له ما لم يعجل فيقول: قد دعوت فلم يستجب لي, وليعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرا. اهـ.
وراجعي لذلك الفتاوى التالية أرقامها: 6121، 7768، 69056، فإن فيها فوائد.
أما الأدعية النافعة لكم في كشف الكرب والبلاء: فكثيرة، منها: ما علمه النبي الصحابة وحث على تعلمه، كما روى أحمد عن ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أصاب أحدا قط هم ولا حزن فقال: اللهم إني عبدك وابن عبدك وابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماض في حكمك، عدل في قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك, أو علمته أحدا من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء حزني، وذهاب غمي، إلا أذهب الله همه وحزنه وأبدله مكانه فرجا، قال: فقيل يا رسول الله: ألا نتعلمها؟ فقال بلى، ينبغي لمن سمعها أن يتعلمها.
وكذلك ما رواه أبو يعلى من حديث سعد بن أبي وقاص أنه صلى الله عليه وسلم قال: إني لأعلم كلمة لا يقولها مكروب إلا فرج الله عنه، كلمة أخي يونس - عليه السلام -: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين.
وهو في الترمذي بلفظ: دعوة ذي النون إذ دعا وهو في بطن الحوت: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ـ فإنه لم يدع بها رجل مسلم في شيء قط إلا استجاب الله له.
وعليكم مع ذلك بالتقوى وكثرة الاستغفار ـ كما مر ـ وهو ما أرشد إليه نوح قومه، كما في قوله تعالى: فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا * يرسل السماء عليكم مدرارا ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا {نوح:10ـ 12}.
وللمزيد راجعي في ذلك الفتويين رقم: 126460، ورقم: 101542، فإن فيهما ما ينفعك في ذلك - إن شاء الله -.
ومع هذا، فإننا ننصح إخوانك بالبحث عن مصادر مباحة أخرى للرزق, ولو بحرفة لا تتوافق مع ما عندهم من الشهادات العالية، أو تقل عن مستواها، إلى أن يجدوا ما يوافق شهاداتهم، فإن أسباب الرزق كثيرة، وإن الإنسان لا يعلم في أي شيء كتب له الرزق، وذلك خير لهم من العيش دون اكتساب؛ مما قد يحوجهم وأهلهم إلى الناس ويحملهم على السؤال، كما في الحديث: والذي نفسي بيده لأن يأخذ أحدكم حبله فيحتطب على ظهره، خير له من أن يأتي رجلا فيسأله، أعطاه أو منعه. رواه البخاري, وفي رواية الترمذي: فيستغني به عن الناس.
والله الموفق.