السؤال
لي أخت تصغرني بخمس سنوات، وعندما وصلت سن 14 امتلأت حياتي معها بالمشاكل، وذلك لحرصي عليها ومنعها من الخروج في الأوقات المتأخرة, ومنعها من الملابس الضيقة، وكنت في بداية الأمر أستطيع السيطرة عليها، ولكن تحول الأمر إلى خلاف ذلك من عدم السيطرة عليها بسبب أمي التي زاد حبها لها بحيث توافقها على جميع تصرفاتها، وتتجرأ علي، وأصبحت لا أقدر على منعها من تصرفاتها, وتعودت عندما أتشاجر معها على سبي وإهانتي، فبدأت أكرهها، وتسببت لي في حياة تعيسة مليئة بالمشاكل، بل كان أكثر مشاكل أبي مع أمي بسببها وبسبب دفاعها عنها، وكانت علاقتي بها على فترات خصام، وفترات صلح، ومرت الأيام وتمت خطبتها، فقمت بدوري كأخ أكبر بنصيحتها, وبيان حدود تعاملها مع خطيبها, وما يحل لها وما يحرم عليها, ولكن دون جدوى، وعلمت أنها تتحدث معه كحديث الأزواج، ولطبيعة دراستي أسكن بعيدا عن البيت, وليس لي أخوات أخر غير أخت كبرى متزوجة، وعندما يأتي خطيبها لا يكون في المنزل غير أبي وأمي، ومن إهمالها تتم الخلوة بينهما, وتحدث بينهما مقدمات الجماع، والمصيبة الكبرى أن هذا الخطيب دخل بيتنا في غير وجود أبي وأمي, وتكررت الخلوة، فعلمت هذا الأمر, وأحدثت مشاكل كبيرة جدا في بيتنا، فعلم هذا الخطيب بما حدث ولم يعد يأتي لمدة أربعة أشهر، وكل هذه الأحداث وأنا على خصام تام مع هذه الأخت، وتم فسخ هذه الخطبة، وليست لي علاقة بها نهائيا، ولا أطيق النظر في وجهها، وعندما تمر من أمامي تسبب لي مشاكل نفسية, وقد تعرضت للأمراض وأنا في سن 24 بسببها, فهل خصامي معها يعتبر من قطع الرحم؟ وكيف أصلها وأنا أكرهها لأفعالها وسوء خلقها؟ وأختي الكبرى في خصام معها لهذه الأسباب.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد أصبت في إنكارك كل ما كانت تفعله أختك، خاصة ما فعلته مع خطيبها ما دام لم يعقد عليها عقد النكاح، فحينئذ يكون ما يحصل بينهما من خلوة ومقدمات جماع إنما هو مقدمات الزنا ـ والعياذ بالله ـ والحمد لله أن الأمر لم يصل إلى ما هو أعظم، أما إن كان قد تم عقد النكاح فلا حق لك في الإنكار ما دام وليها ـ والدك ـ راضيا بخلوتهما وما يترتب عنها؛ لأنه حينئذ يكون زوجها شرعا, وإن لم يبن بها، لكن الظاهر من كلامك الحالة الأولى، وهي مجرد الخطبة دون عقد القران، فلا تباح بها الخلوة, وغيرتك هذه بسبب انتهاك أهلك لحرمات الله أمر محمود يدل على خير كثير فيك، وكذلك غيرتك على عرضك، كما في الحديث الذي رواه أبو هريرة: إن الله يغار، وإن المؤمن يغار، وغيرة الله أن يأتي المؤمن ما حرم عليه. رواه مسلم.
وفي مسند أحمد عن ابن عمر: ثلاثة قد حرم الله عليهم الجنة: مدمن الخمر، والعاق، والديوث الذي يقر في أهله الخبث.
فحاول أن تقنع والدك بأن يكون معها صارما في انتهاكها لحرمات الله، في جسدها ولباسها، وذكره بالله، وذكره بعرضه وعورة ابنته، وأن مثل هذا التساهل قد يؤدي به إلى حساب عسير في الآخرة، كما في الصحيحين، واللفظ للبخاري: كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته، الإمام راع ومسؤول عن رعيته، والرجل راع في أهله وهو مسؤول عن رعيته.
ولعل ذلك يسهل معه ـ إن شاء الله ـ لما ذكرت من أنه يدخل في صراع مع والدتك بسبب تصرفات أختك، وهذا دليل على أنه غير راض عنها، وإن كان متساهلا في تغيير هذا المنكر الذي يراه فيها، ففي الحديث: من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان.
ولا يجوز له الإنكار باللسان ما دام قادرا باليد، ولا بالقلب مع القدرة باللسان، ومن القدرة على التغيير باليد ألا يؤدي إلى ما هو أعظم، وألا يكون بما هو أعظم، كالقتل, ومقدماته، والضرب المبرح ونحوه مما فيه إضرار بالنفس والجسد، فهذا كله لا يجوز، وافعل مثل ذلك مع والدتك، بلين ويسر، قال تعالى: وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا واتبع سبيل من أناب إلي {لقمان:15}, وقال تعالى: واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا {الإسراء:24}.
أما ما ذكرته من هجرانك لأختك، ففيه ثلاثة احتمالات يترتب عليها الحكم الشرعي، فاقرأ كلام الشيخ ابن عثيمين الآتي جيدا، وتأمله، ثم اعرضه على حالتك مع أختك، فأنت أعلم بحالها منا، فقد سئل الشيخ ـ رحمه الله ـ عن حكم هجر المسلم العاصي، فجاء في جوابه: هجر المسلم في الأصل حرام، بل من كبائر الذنوب إذا زاد على ثلاثة أيام، فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة، يلتقيان، فيعرض هذا، ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام" متفق عليه، وروى أبو داود والنسائي بإسناده، قال المنذري: إنه على شرط البخاري: "فمن هجر فوق ثلاث فمات دخل النار" ومن المعلوم أن المسلم لا يخرج عن الإسلام بالمعاصي وإن عظمت، ما لم تكن كفرا؛ وعلى هذا فلا يحل هجر أصحاب المعاصي، إلا أن يكون في هجرهم مصلحة بإقلاعهم عنها، وردع غيرهم عنها؛ لأن المسلم العاصي - ولو كانت معصيته كبيرة - أخ لك، فيدخل في قوله: "لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ... ومن الأدلة على أن العاصي أخ للمطيع، وإن عظمت معصيته، قوله تعالى فيمن قتل مؤمنا عمدا: "فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان" فجعل الله القاتل عمدا أخا للمقتول، مع أن القتل ـ قتل المؤمن عمدا ـ من أعظم الكبائر، وقوله تعالى في الطائفتين المقتتلتين من المؤمنين: "وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما"، إلى قوله: "إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم"ـ فلم يخرج الله الطائفتين المقتتلتين من الإيمان، ولا من الأخوة الإيمانية، ثم قال: فإن كان في الهجر مصلحة، أو زوال مفسدة بحيث يكون رادعا لغير العاصي عن المعصية، أو موجبا لإقلاع العاصي عن معصيته، كان الهجر حينئذ جائزا، بل مطلوبا طلبا لازما، أو مرغبا فيه، حسب عظم المعصية التي هجر من أجلها، قال: ودليل ذلك قصة كعب بن مالك وصاحبيه ـ رضي الله عنهم ـ وهم الثلاثة الذين خلفوا، فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بهجرهم، ونهى عن تكليمهم، فاجتنبهم الناس، حتى إن كعبا ـ رضي الله عنه ـ دخل على ابن عمه أبي قتادة - رضي الله عنه - وهو أحب الناس إليه، فسلم عليه فلم يرد عليه السلام فصار بهذا الهجر من المصلحة العظيمة لهؤلاء الثلاثة من الرجوع إلى الله عز وجل والتوبة النصوح والابتلاء العظيم ولغيرهم من المسلمين ما ترجحت به مصلحة الهجر على مصلحة الوصل، ثم قال: أما اليوم: فإن كثيرا من أهل المعاصي لا يزيدهم الهجر إلا مكابرة وتماديا في معصيتهم، ونفورا وتنفيرا عن أهل العلم والإيمان، فلا يكون في هجرهم فائدة لهم ولا لغيرهم، ثم قال مؤصلا القاعدة: وعلى هذا فنقول: إن الهجر دواء يستعمل حيث كان فيه الشفاء، وأما إذا لم يكن فيه شفاء، أو كان فيه إشفاء ـ وهو الهلاك ـ فلا يستعمل، فأحوال الهجر ثلاث:
ـ إما أن تترجح مصلحته، فيكون مطلوبا.
ـ وإما أن تترجح مفسدته فينهى عنه بلا شك.
ـ وإما أن لا يترجح هذا ولا هذا، فالأقرب النهي عنه؛ لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يحل للمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث". انتهى.
فإن رأيت في هجرها مصلحة يترتب عليها تغيير هذا المنكر، لم يكن في ذلك قطيعة رحم ـ إن شاء الله ـ بل هو وصل لها, وفي مصلحتها، كما هو معلوم من قصة كعب بن مالك، وإن لم يكن كذلك فلا، وفي الفتوى رقم: 6675، كلام نافع ـ إن شاء الله ـ فراجعها.
وعلى كل حال، فعليك ـ مع إنكارك عليها ـ بالدعاء الصادق بالهداية لها ولوالديك، وتوكل مع ذلك على الله، فإنه يهدي من يشاء ويضل من يشاء، وبيده الخير، ونحن نسأل الله تعالى أن يهديها ويشرح قلبها للإيمان, ويشرح قلبك, ويقر عينيك بها، إنه ولي ذلك والقادر عليه، قال تعالى: إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين {القصص:56}.
والله ولي التوفيق.