السؤال
يا شيخ: في جامعنا أصحاب الرؤوس الفارغة ومن يسبون الجلالة خارج المسجد، وأمرهم معروف عند العامة، ويطردون أهل الفضل من أصحاب العلم وحملة الكتاب اتباعا لأهوائهم، مما يسبب الفتنة في الجامع، وما سبب طرد عالمنا الفاضل إلا أنه يكفر أهل البدع ويتحدث عن الولاء والبراء، فما رأيكم في هؤلاء؟ وكيف نتصرف معهم؟.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فلا شك أن سب الله تعالى كفر أكبر مخرج من الملة، فإذا وجد من أهل المسجد ـ والعياذ بالله ـ من يسب الله تعالى وجب نصحه وتذكيره بالله وأمره بالتوبة وإعلامه بخطورة ما هو عليه، وإعلامه بأن الكفر لا ينفع معه عمل، كما أن التعدي على أهل العلم وأذيتهم أمر محرم ولا يجوز، بل الواجب توقيرهم واحترامهم، لما يحملونه من العلم، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن من إجلال الله: إكرام ذي الشيبة المسلم، وحامل القرآن غير الغالي فيه والجافي عنه، وإكرام ذي السلطان المقسط. رواه أبو داود.
والمعنى أن من تعظيم الله وتبجيله إكرام هؤلاء الثلاثة, كبير السن، وحامل العلم، والحاكم العادل، فالواجب نصح أولئك المشار إليهم في السؤال، وإذا لم ينفع فيهم النصح وأصروا على سب الله تعالى وأذية أهل العلم فالواجب رفع أمرهم إلى الجهات المختصة لتردعهم، فإن الله تعالى يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن.
وأما ما ذكرته عن الشيخ من تكفير بعض المبتدعة ونفرة الناس من ذلك: فاعلم أنه ينبغي للعالم أن يكون حكيما في دعوته، فإذا كان الناس ينفرون من تكفير من يستحق التكفير فلا ينبغي له المجاهرة بتكفيرهم، وليسلك سبيلا آخر يبين فيه كفر الأفعال أو العقائد التي عليها أولئك المبتدعة، فإذا كانوا يطعنون في القرآن، أو ينسبون لأمهات المؤمنين ما برأهن الله منه، أو يجعلون لأئمتهم شيئا من خصائص الرب تعالى، فليبين الشيخ للناس برفق وحكمة كفر تلك العقائد ومصادمتها للكتاب والسنة من غير أن يجهر باسم أولئك المبتدعة, وكذا إذا تحدث عن الولاء والبراء فليتحدث عن فضله عموما وأدلته من القرآن والسنة برفق وحكمة حتى يهيئ الأرضية المناسبة للكلام مستقبلا عن بعض الفرق المبتدعة بأسمائهم، فإنه إذا فعل ذلك رجي أن يوصل للناس رسالته ويحصل المقصود, وليجعل نصب عينيه قول الله تعالى: ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين {النحل:125}.
قال الشوكاني في فتح القدير: بالحكمة ـ أي: بالمقالة المحكمة الصحيحة، قيل: وهي الحجج القطعية المفيدة لليقين، والموعظة الحسنة ـ وهي المقالة المشتملة على الموعظة الحسنة التي يستحسنها السامع، وتكون في نفسها حسنة باعتبار انتفاع السامع بها... وجادلهم بالتي هي أحسن ـ أي: بالطريق التي هي أحسن طرق المجادلة. اهـ مختصرا.
وبعض الدعاة ـ هداهم الله ـ لا يلتفت إلى الأسلوب الذي يخاطب به الناس فتجد فيه شيئا من الشدة والغلظة في الكلام، ويظن أنه ما دام صاحب حق فهذا كاف ولا يحتاج بعده إلى الرفق واللين، وهذا غير صحيح، فصاحب الحق لا يكفيه أن يكون معه الحق فقط، بل لا بد من اقتران الحق بالرفق واللين والحكمة، وقد قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين {آل عمران:159}.
والمعنى: فبرحمة من الله لنت لهم: ولو كنت فظا ـ أي في كلامك، والمراد به هاهنا غليظ الكلام، قال ابن كثير: غليظ القلب ـ قاسي القلب عليهم: لانفضوا من حولك ـ أي: لنفروا وتفرقوا عنك.
والله أعلم.