السؤال
سافرت برا من عمان إلى الرياض عن طريق حائل، وفي إحدى الاستراحات صلينا الظهر والعصر. وأنا في المصلى وجدت ساعة يد نسائية. ترددت في أخذها، مع العلم أنه لم يكن بالمصلى إلا أنا وابنتي فقط، فأخذتها، وانتظرت بالمصلى قليلا، فلم أجد أحدا. فذهبت إلى دورة المياه، فلم أجد أحدا. عدت إلى المسجد ثانية، لا أحد. انتظرت لنصف ساعة لعل أن يأتي من يسأل عنها، فلا أحد.
فهل علي إثم في أخذها؟؟
وهل من طريقة لأعلن عنها؟
مع الشكر.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا وجد المسافر لقطة في مكان، فإنه لا يخرجها من مكان التقاطها حتى يعرفها سنة قمرية كاملة.
قال المحاملي- رحمه الله تعالى- في اللباب في الفقه الشافعي: والواجدون للقطة على عشرة أنواع ...ثم قال: والتاسع: أن يجدها مسافر فإنه لا يسافر بها، ولا يخرجها من العمارة حتى يعرفها سنة. انتهى.
وقال إمام الحرمين- رحمه الله تعالى- في نهاية المطلب في دراية المذهب: ولو وجد اللقطة في بلدة، ففارقها مسافرا، وأخد يعرف في القرى، والبلاد التي ينتهي إليها، فلا يكون ذلك تعريفا منه. وحق التعريف في مثل هذه الصورة أن يتخصص بمكان الوجدان. فلو أراد سفرا، لم يسافر باللقطة، واستناب في التعريف في مكان الوجدان نائبا. انتهى.
وفي الصحيحين عن زيد بن خالد الجهنى أنه قال: جاء رجل إلى النبى -صلى الله عليه وسلم- فسأله عن اللقطة فقال: اعرف عفاصها، ووكاءها، ثم عرفها سنة، فإن جاء صاحبها وإلا فشأنك بها.
قال النووي في شرح مسلم عن هذا الحديث: وأما تعريف سنة فقد أجمع المسلمون على وجوبه إذا كانت اللقطة ليست تافهة، ولا في معنى التافهة، ولم يرد حفظها على صاحبها، بل أراد تملكها. ولا بد من تعريفها سنة بالإجماع. فأما إذا لم يرد تملكها بل أراد حفظها على صاحبها. فهل يلزمه التعريف؟ فيه وجهان لأصحابنا: أحدهما لا يلزمه، بل إن جاء صاحبها وأثبتها دفعها إليه وإلا دام حفظها. والثاني وهو الأصح أنه يلزمه التعريف؛ لئلا تضيع على صاحبها، فإنه لا يعلم أين هي حتى يطلبها، فوجب تعريفه. انتهى.
وبهذا تعلمين أنه ما كان لك أن تسافري بهذه اللقطة عن مكان وجودها قبل تعريفها.
وحيث إنك قد أخذت الساعة وأخرجتها من مكان وجودها، فلم يبق إلا تدارك تعريفها بأن ترجعي عند المسجد الذي وجدتها فيه، وذلك بتعليق ورقة فيها الإخبار بوجود ساعة يد نسائية –ولا تذكري فيها وصفها الدقيق- وكذلك اذكري فيها رقما للتواصل معك، وأخبري بذلك الإمام أو المؤذن، حتى إذا جاء من يسأل عنها اتصل بك، وكذلك يكون التعريف في الأماكن العامة في تلك المدينة. ولك أن تنيبي غيرك لفعل ذلك.
فإن عجزت عن إيصالها إلى مكانها عجزا كليا، فإنك تتصدقين بها عن صاحبتها، شأنها شأن الودائع، والرهون، والأمانات التي لا يعرف مستحقها.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: مسألة في الأموال التي يجهل مستحقها مطلقا أو مبهما. فإن هذه عامة النفع، والواجب على من حصلت بيده ردها إلى مستحقها، فإذا تعذر ذلك فالمجهول كالمعدوم، وقد دل على ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم في اللقطة: { فإن وجدت صاحبها فارددها إليه؛ وإلا فهي مال الله يؤتيه من يشاء }. وهذا النوع إنما حرم لتعلق حق الغير فإذا كان الغير معدوما أو مجهولا بالكلية، أو معجوزا عنه بالكلية، سقط حق تعلقه به مطلقا، فإنه لو عدم المالك انتقل الملك عنه بالاتفاق، فكذلك إذا عدم العلم به إعداما مستقرا، وإذا عجز عن الإيصال إليه إعجازا مستقرا، فالإعدام ظاهر، والإعجاز مثل الأموال التي قبضها الملوك - كالمكوس وغيرها - من أصحابها من الجهاد عنهم أولى من إبقائها بأيدي الظلمة يأكلونها، وإذا أنفقت كانت لمن يأخذها بالحق مباحة؛ كما أنها على من يأكلها بالباطل محرمة. وإما حبسها دائما أبدا إلى غير غاية منتظرة ؛ بل مع العلم أنه لا يرجى معرفة صاحبها، ولا القدرة على إيصالها إليه فهذا مثل إتلافها، فإذا كان إتلافها حراما وحبسها أشد من إتلافها تعين إنفاقها وليس لها مصرف معين فتصرف في جميع جهات البر والقرب التي يتقرب بها إلى الله. انتهى.
وللفائدة يرجى مراجعة هاتين الفتويين: 59086، 118136.
والله أعلم.