السؤال
لو سمحت كنت أريد أن أسأل: كنت دائما أحلف بالكذب، لعدة أسباب، لا تبرئني طبعا، منها الخوف من العقاب. في لهجة بلدي الحلف دائما على اللسان. لم أكن أعرف أن الحلف له كفارة، كنت أظن أني لو استغفرت بصدق، سيغفر الله لي. لكن الآن عرفت أن الحلف له كفارة القسم، وأن لهما نفس الكفارة وهي صيام 3 أيام. لكني حلفت كثيرا لا أعرف مقدار ذلك. لو عن كل حلف سأصوم 3 أيام لا أظن أن حياتي تسع هذا القدر . أنا حقا لا أعرف كم مرة، أظن أنها مرات عديدة وكثيرة جدا، أستغفر الله العظيم. لم أكن أعلم للأسف.
ماذا أفعل هل أظل حياتي كلها صائمة؟؟
أفتوني رجاء.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن تعمد الحلف على الكذب يعتبر من كبائر الذنوب، وهو اليمين الغموس التي تغمس صاحبها في الإثم أو في النار-والعياذ بالله تعالى- ؛ فقد روى البخاري وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الكبائر: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وقتل النفس، واليمين الغموس.
والواجب عليك الآن أن تبادري بالتوبة النصوح إلى الله تعالى من هذا الإثم العظيم، ولا كفارة عليك في الأيمان الغموس -الكاذبة- عند جمهور أهل العلم؛ لأنها أعظم من الكفارة، بل الواجب التوبة النصوح إلى الله تعالى، ولك أن تعملي بهذا القول، وذهب الشافعية إلى وجوب الكفارة فيها مع التوبة.
وأما قولك: أحلف بالكذب لعدة أسباب.. فإن كانت هذه الأسباب معتبرة شرعا، ولم يمكن التخلص منها بغير الكذب بأن اضطررت إليها لخوف ضرر شديد ونحو ذلك. فلا حرج عليك في الحلف عليها، وكان الأولى أن يكون ذلك بالتورية، أو بغير الحلف إن أمكن؛ كما سبق بيانه في الفتاوى أرقام: 8997، 1126، 43279.
وأما قولك: "فى الهجه بتاعت بلدى الحلفان على طول فى اللسان.." فإننا لم نفهمه، وعلى أية حال فإن كان المقصود به كثرة الحلف؛ فإنه لا ينبغي للمسلم أن يكثر من الحلف، فإن كثرة الحلف مذمومة شرعا؛ فقد قال الله تعالى: ولا تطع كل حلاف مهين {القلم:10}. ولما فيه من عدم توقير الله تعالى الذي ينبغي أن يصان اسمه. فقد قال الله تعالى: واحفظوا أيمانكم {المائدة:89}. وقال تعالى: ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم {البقرة:224}. ثم إن كان هذا الحلف مما يعتاده بعض الناس، ويجري على لسانه من غير عقد لليمين ولا تأكيد له؛ فإنه لا تترتب عليه أحكام اليمين، قال الله تعالى: لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان {المائدة:89}.
وما كان من الحلف على غير الكذب وحنثت فيه، فإن فيه الكفارة قولا واحدا، والكفارة هي أول:ا إطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم، أو تحرير رقبة، فإن عجزت عن أحد هذه الثلاثة انتقلت إلى صيام ثلاثة أيام.
والكفارات التي نسيت عددها، عليك أن تجتهدي في تقديرها، فإذا لم تعرفي العدد فلك أن تأخذي بأقل ما شككت فيه منها كما رجحه العلامة ابن عثيمين رحمه الله؛ لأنه هو المتيقن؛ ولأن الأصل براءة الذمة، ولكن الأحوط أن تكفري عن جميع ما شككت فيه، أو ما يغلب على ظنك.
جاء في فتاوى نور على الدرب لابن عثيمين: إذا شك الإنسان فيما عليه من واجب القضاء فإنه يأخذ بالأقل، فإذا شكت المرأة أو الرجل هل عليه قضاء ثلاثة أيام أو أربعة؟ فإنه يأخذ بالأقل؛ لأن الأقل متيقن، وما زاد مشكوك فيه، والأصل براءة الذمة، ولكن مع ذلك: الأحوط أن يقضي هذا اليوم الذي شك فيه؛ لأنه إن كان واجبا عليه فقد حصلت براءة ذمته بيقين، وإن كان غير واجب فهو تطوع، والله تعالى لا يضيع أجر من أحسن عملا.
وهذا في صوم رمضان الذي الأصل فيه أن الذمة مشغولة به، ومن باب أحرى أن يكون في الكفارات التي الأصل فيها براءة الذمة؛ وانظر الفتويين: 220123، 196769 .
وأما جهلك بما يترتب على الحلف من الكفارة أو العقوبة، فلا أثر له.
قال الشيخ العثيمين في فتاويه: وأما الجهل بما يترتب على الفعل، فليس بعذر.
وانظر الفتوى رقم: 127442 .
والذي ننصحك به بعد تقوى الله تعالى هو: التوبة النصوح؛ فإن التائب من الذنب كمن لا ذنب له، وأن تعملي ما استطعت من الأعمال الصالحة؛ كما قال تعالى: وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى {طه:82}.. وتكفي عن كثرة الحلف ولو كنت صادقة؛ فقد قال تعالى: ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم {البقرة:224}.
والله أعلم.