الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الجهل بكفارة الجماع ليس بعذر

السؤال

أنا لم أكن أدري بأن كفارة الجماع في نهار رمضان صيام شهرين متتابعين، وإنما كنت أعتقد بأن الواجب هو قضاء يوم واحد، وأنا وقعت في الجماع في نهار رمضان سبع مرات، ولكنها ليست في رمضان واحد، فهل أصوم أربعة عشر شهرا كل شهرين على حدة؟ أم أصوم سبعة أيام وأطعم ستين مسكينا؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فالواجب عليك أولا هو التوبة النصوح، فقد أقدمت على ذنب عظيم وجرم كبير، فإن تعمد الفطر في نهار رمضان من أعظم الذنوب وأكبر الكبائر، بل هو أكبر من الزنا والسرقة وشرب الخمر، كما بينا ذلك في الفتوى رقم: 111650.

واعلم أن جهلك بوجوب الكفارة لا يسقطها عنك، فإن الجهل الذي يعذر به المكلف هو الجهل بالحكم، وأما الجهل بما يترتب على الحكم أي الجهل بالعقوبة فلا أثر له، ولذا أقام النبي صلى الله عليه وسلم الحد على ماعز، مع أنه كان جاهلا بأن عقوبة الزاني المحصن هي الرجم، قال ابن القيم ضمن فوائد قصة ماعز: وفيه: أنَّ الجهل بالعقوبة لا يُسقِط الحدَّ إن كان عالماً بالتحريم، فإنَّ ـ ماعزاًـ لم يعلم أنَّ عقوبته القتل، ولم يُسقط هذا الجهلُ الحد عنه. انتهى.

والصحابي الذي ألزمه النبي صلى الله عليه وسلم بالكفارة لإقدامه على الجماع في نهار رمضان كان جاهلا بوجوب الكفارة ولم يؤثر ذلك في إسقاطها عنه.

قال العلامة ابن عثيمين ـ رحمه الله: فإن قال قائل: الرجل الذي جاء إلى الرسول صلّى الله عليه وسلّم أليس جاهلاً؟ فالجواب: هو جاهل بما يجب عليه، وليس جاهلاً أنه حرام، ولهذا يقول: هلكت ـ ونحن إذا قلنا إن الجهل عذر، فليس مرادنا أن الجهل بما يترتب على هذا الفعل المحرم ولكن مرادنا الجهل بهذا الفعل، هل هو حرام أو ليس بحرام؟ ولهذا لو أن أحداً زنا جاهلاً بالتحريم، وهو ممن عاش في غير البلاد الإسلامية بأن يكون حديث عهد بالإسلام، أو عاش في بادية بعيدة لا يعلمون أن الزنا محرّم فزنا، فإنه لا حدّ عليه، لكن لو كان يعلم أنّ الزنا حرام، ولا يعلم أن حده الرجم، أو أن حده الجلد والتغريب، فإنه يحد، لأنه انتهك الحرمة، فالجهل بما يترتب على الفعل المحرم ليس بعذر، والجهل بالفعل، هل هو حرام أو ليس بحرام؟ هذا عذر. انتهى.

فإذا علمت هذا فالواجب عليك ـ مع التوبة النصوح ـ هو أن تكفرعن كل يوم وقع فيه الجماع منك، فيكون عليك سبع كفارات، والكفارة الواحدة هي ما بينه النبي صلى الله عليه وسلم للمجامع في نهار رمضان وهي عتق رقبة، فإن عجزت فصيام شهرين متتابعين، فإن عجزت فإطعام ستين مسكينا، وعليك قضاء هذه الأيام التي أفسدتها بالجماع، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر المجامع بأن يقضي يوما مكانه، أخرجه أبو داود.

وكفارة الجماع على الترتيب، فلا يجوز لك أن تنتقل إلى الإطعام وأنت تقدر على الصيام، وهذا مذهب الجمهور. وانظر الفتوى رقم: 1104، وعليك عن كل يوم كفارة، ولا تتداخل الكفارات في قول جمهور أهل العلم، وانظر الفتوى رقم: 114053، وعلى زوجتك مثل ما عليك من التوبة النصوح وقضاء تلك الأيام إن كانت مطاوعة، وفي وجوب الكفارة عليها إن كانت مطاوعة خلاف بين أهل العلم، والقول بوجوبها هو مذهب الجمهور، وانظر الفتوى رقم: 126108، وما أحيل عليه فيها.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني