السؤال
هل يجوز أن يقال لغير المسلمين: نحن والمسيحيون، واليهود نعبد إلها واحدا سبحانه وتعالى، لكن الفرق بيننا نحن المسلمين وبين اليهود والنصارى أننا نوحد الله ولا نشرك به، ولكن اليهود والنصارى يشركون به، فإلهنا إله واحد، لكن الفرق أننا موحدون به وهم يشركون به؟ وهل هذا الكلام صحيح؟ وهل اليهود والنصارى يعبدون مثل إلهنا سبحانه وتعالى، لكنهم فقط يشركون به، وهذا سبب كفرهم؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كنت بقولك: "نحن والمسيحيون، واليهود نعبد إلها واحدا سبحانه" أردت أن الإله الحق بالنسبة لنا، وللنصارى، ولليهود هو إله واحد وهو الله تعالى، فهذا صحيح, وهذا هو المراد بقوله تعالى في سورة العنكبوت عن مجادلة أهل الكتاب: .. وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم والهنا والهكم واحد ونحن له مسلمون. [العنكبوت:46].
قال الشوكاني في فتح القدير: وإلهنا وإلهكم واحد لا شريك له، ولا ضد، ولا ند، ونحن له مسلمون أي: ونحن معاشر أمة محمد مطيعون له خاصة، لم نقل: عزير ابن الله، ولا اتخذنا أحبارنا ورهباننا أربابا من دون الله. اهــ.
فالإله الذي نعبده نحن ولا نشرك به شيئا، ويعبدونه هم ويشركون به هو إله واحد لا شريك له في ألوهيته، وربوبيته، وأسمائه وصفاته.
فإذا أردت هذا المعنى فهو صحيح، ويكون كلامك اللاحق حين قلت: "فإلهنا إله واحد، لكن الفرق أننا موحدون به، وهم يشركون به" موافقا لهذا المعنى؛ وانظر الفتوى: 51943، في بيان معنى قوله تعالى: وإلهنا وإلهكم واحد {العنكبوت:46}. وليس معنى: "وإلهنا وإلهكم واحد" أنكم تعبدونه وحده ولا تشركون به، بل هم به مشركون جعلوا معه عيسى، وعزيرا إلهين اثنين تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.
ومن المهم أن تعلم أيضا أن كفر اليهود والنصارى ليس سببه فقط عبادتهم مع الله غيره، بل كفرهم أيضا بسبب تكذيبهم لرسالة محمد صلى الله عليه وسلم، فلو وجد منهم من لا يقول بالتثليث، ولا بأن عزيرا ابن الله، فإنه يحكم بكفره إذا لم يؤمن بمحمد صلى الله عليه وسلم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى: وأما أهل الكتاب فإن اليهود لم يؤتوا من جهة ما أقروا به من نبوة موسى، والإيمان بالتوراة. بل هم في ذلك مهتدون، وهو رأس هداهم. وإنما أتوا من جهة ما لم يقروا به من رسالة المسيح، ومحمد صلى الله عليه وسلم كما قال تعالى فيهم: {فباءوا بغضب على غضب} غضب بكفرهم بالمسيح، وغضب بكفرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم. وهذا من باب ترك المأمور به. وكذلك النصارى لم يؤتوا من جهة ما أقروا به من الإيمان بأنبياء بني إسرائيل، والمسيح وإنما أتوا من جهة كفرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم. وأما ما وقعوا فيه من التثليث، والاتحاد الذي كفروا فيه بالتوحيد والرسالة فهو من جهة عدم اتباعهم لنصوص التوراة والإنجيل المحكمة التي تأمر بعبادة الله وحده لا شريك له، وتبين عبودية المسيح وأنه عبد لله . اهــ .
والله تعالى أعلم.