السؤال
هل يجوز قبل فعل الذنب أن أقول أنا أستحيي من الله وأخاف منه؟ وهل يجوز أن أزيد كلمة: أحترم الله؟ أم فقط الحياء والخوف؟ أم ماذا أفعل قبل المعصية؟.
والسؤال الثاني: هل يعلم الله ماذا سنفعل في حياتنا لو لم نأت؟ أعلم أن الله يعلم الشيء الذي لم يكن لو كان كيف يكون؟ وما حكم من يستحيي من الناس أو يحترم الناس أكثر من الله؟ وجزاك الله خيرا.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الخوف من الله من العبادات القلبية، كما قال تعالى: فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين {آل عمران:175}.
وكذلك الحياء من الله من العبادات المشروعة، كما جاء في الحديث: استحيوا من الله حق الحياء، قال: قلنا: يا رسول الله إنا نستحيي والحمد لله، قال: ليس ذاك، ولكن الاستحياء من الله حق الحياء أن تحفظ الرأس وما وعى، والبطن وما حوى، ولتذكر الموت والبلى، ومن أراد الآخرة ترك زينة الدنيا، فمن فعل ذلك فقد استحيا من الله حق الحياء. أخرجه الترمذي، وحسنه الألباني.
وأما الاحترام: فلا نعلم ورود لفظه في النصوص، وأما معناه كما في معجم اللغة العربية المعاصرة: احترم يحترم احتراما، فهو محترم، والمفعول محترم، احترمه: كرمه وأكبره، هابه، ورعى حرمته، أحسن معاملته حبا ومهابة. اهـ.
فالاحترام من جهة المعنى مندرج تحت عبودية التعظيم ونحوها من العبادات القلبية.
وعلى الإنسان إذا راودته نفسه على العصيان أن يدافع ذلك باستحضار الخوف من الله، وتذكر نظر الله واطلاعه فيستحي من الله عز وجل وينكف عن المعصية، وأما حياء الشخص من الناس أشد من حيائه من الله: فهو مذموم، وهو أمارة على ضعف الإيمان وقلة العلم بالله، قال الراغب الأصبهاني: والذين يستحي منهم الإنسان ثلاثة: البشر: وهم أكثر من يستحي منه، ثم نفسه، ثم الله عز وجل، ومن استحيا من الناس ولم يستح من نفسه فنفسه عنده أخس من غيره، ومن استحيا منهما ولم يستح من الله فلعدم معرفته بالله عز وجل، فإن الإنسان يستحي ممن يعظمه ويعلم أنه يراه أو يسمع نجواه فيبكته، ومن لا يعرف الله فكيف يستعظمه، وكيف يعلم أنه مطلع عليه، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: استحيوا من الله حق الحياء ـ في ضمنه حث على معرفته، وقال تعالى: ألم يعلم بأن الله يرى ـ تنبيها على أن العبد إذا علم أن الله يراه استحيا من ارتكاب الذنب، وقد سئل الجنيد ـ رحمه الله ـ عما يتولد منه الحياء من الله تعالى، فقال: رؤية العبد آلاء الله عليه، ورؤية تقصيره في شكره. اهـ.
لكن الاستحياء من الناس أشد من الحياء من الله لا يصل إلى الكفر بمجرده، فقد تكلم بعض العلماء عمن يقدم محبة غير الله على محبة الله، وأنه معصية وليس بكفر، قال ابن تيمية: فإن المسلم المستحق للثواب لا بد أن يكون مصدقا، وإلا كان منافقا، لكن ليس كل من صدق قام بقلبه من الأحوال الإيمانية الواجبة مثل كمال محبة الله ورسوله، ومثل خشية الله والإخلاص له في الأعمال والتوكل عليه، بل يكون الرجل مصدقا بما جاء به الرسول، وهو مع ذلك يرائي بأعماله ويكون أهله وماله أحب إليه من الله ورسوله والجهاد في سبيله، وقد خوطب بهذا المؤمنون في آخر الأمر في سورة براءة فقيل لهم: إن كان آباؤكم وأبنآؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين {التوبة: 24} ومعلوم أن كثيرا من المسلمين أو أكثرهم بهذه الصفة، وقد ثبت أنه لا يكون الرجل مؤمنا حتى يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وإنما المؤمن من لم يرتب، وجاهد بماله ونفسه في سبيل الله، فمن لم تقم بقلبه الأحوال الواجبة في الإيمان، فهو الذي نفى عنه الرسول الإيمان وإن كان معه التصديق، والتصديق من الإيمان، ولا بد أن يكون مع التصديق شيء من حب الله وخشية الله، وإلا فالتصديق الذي لا يكون معه شيء من ذلك ليس إيمانا البتة، بل هو كتصديق فرعون واليهود وإبليس. اهـ.
وأما ما يتعلق بعلم الله: فإن الله عز وجل يعلم كل شيء، يعلم ما كان، وما سيكون، وما لم يكن لو كان كيف يكون، قال تعالى: إنما إلهكم الله الذي لا إله إلا هو وسع كل شيء علما {طه:98}.
وقال سبحانه: إن تبدوا شيئا أو تخفوه فإن الله كان بكل شيء عليما {الأحزاب:54}.
وانظر مزيد بيان لوصف علم الله في الفتوى رقم: 14739.
والله أعلم.