ترك ضرب الزوجة أولى، والمباح منه تسبقه خطوات

0 720

السؤال

هل ضرب الزوجة مشروع في الإسلام؟ وما حكمه؟ وإن كان مشروعا، فما كيفيته، ومسوغاته، وضوابطه؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه أما بعد:

فإن من أعظم ما أولاه الشرع عنايته، وصرف له رعايته، حفظ رابطة الزوجية التي تجمع شمل الزوجين، وتضم أنفاسهما في ظلال بيت واحد مستقر، تغمر ساكنيه السعادة، مهيأ لتربية جيل صالح للاستخلاف في الأرض.

لذلك أحاطت الشريعة المطهرة صرح الزوجية بسور من الأحكام التي ترسي دعائمه، وتقيم بنيانه، وتدفع عنه ما يكدر صفو العيش فيه، أو يقوضه، وهذا ظاهر لمن كان له اطلاع على علل الأحكام، وأسرار التشريع والإبرام.

وبالجملة؛ فإن مبنى أحكام الشريعة على جلب المصالح، ودرء المفاسد، وعند تزاحم المصالح أو المفاسد تغتفر تفويت أدنى المصلحين لتحصيل أعلاهما، كما تغتفر ارتكاب أدنى المفسدتين لاجتناب أعلاهما.

وهكذا نجد أن شرع الله تعالى مصلحة كله، فحيثما غلبت المصلحة، أو قلت المفسدة، فثم شرع الله عز وجل، قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله: السيئة تحتمل في موضعين: دفع ما هو أسوأ منها، إذا لم تدفع إلا بها، وتحصيل ما هو أنفع من تركها، إذا لم تحصل إلا بها ... وذلك ثابت في العقل؛ كما يقال: ليس العاقل الذي يعلم الخير من الشر، وإنما العاقل الذي يعلم خير الخيرين، وشر الشرين. اهـ.

وإذا علم هذا؛ فليعلم أن الأحكام الشرعية قد تطرقت إلى حال الشقاق والخلاف إذا طرأ بين الزوجين، وقسمتها إلى أحوال، ومنها الحالة التي ورد السؤال عنها، وهي: حكم ضرب الزوجة، وهل هناك حالة يجوز فيها ذلك؟

والجواب عن ذلك: أن الله جل وعلا قد حرم على كلا الزوجين ـ بل على عموم الخلق ـ الظلم، والبغي، والتعدي، ولا ريب في أن ضرب الزوجة بلا مسوغ شرعي أذية لها، واعتداء على حقها؛ فإن من حقوقها المعاملة، والمعاشرة بالمعروف، قال تعالى: ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف {البقرة:228}، وقال جل وعلا: وعاشروهن بالمعروف {النساء:19}.

وقد حرم الله جل وعلا إبقاء الزوجة في العصمة بقصد أذيتها، ومضارتها، وسمى ذلك اعتداء، وظلما، قال جل وعلا: ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه {البقرة:231}.

وقد ثبت أن النبي صلوات الله وسلامه عليه قال: لا ضرر، ولا ضرار. رواه أحمد، وابن ماجه، وصححه الألباني. وراجع في شرح هذا الحديث الفتوى: 125496.

وعليه؛ فضرب الزوجة بلا مسوغ، من الاعتداء، والظلم الذي لا يجوز، وقد ثبت عنه -صلوات الله وسلامه عليه- أنه قال فيما يرويه عن ربه جل وعلا: يا عبادي، إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرما، فلا تظالموا. رواه مسلم.

وأما المسوغ لهذا الفعل بضوابطه الشرعية، فهو: نشوز الزوجة على زوجها، والنشوز هو: استعلاء الزوجة على زوجها، واستخفافها بحقه، وعصيانها له، وعدم طاعتها له فيما تلزم طاعتها له فيه؛ بغضا منها له، وإعراضا عنه، ويمكن مراجعة الفتوى: 1103.

وعدم جدوى وسيلتي الوعظ، والهجر في المضجع، كما قال الله تعالى: واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا إن الله كان عليا كبيرا {النساء:34}.

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع: ألا واستوصوا بالنساء خيرا، فإنما هن عوان عندكم، ليس تملكون منهن شيئا غير ذلك، إلا أن يأتين بفاحشة مبينة، فإن فعلن، فاهجروهن في المضاجع، واضربوهن ضربا غير مبرح، فإن أطعنكم، فلا تبغوا عليهن سبيلا، ألا إن لكم على نساءكم حقا، ولنسائكم عليكم حقا ... الحديث. أخرجه الترمذي، وقال: حسن صحيح.

وخرج الإمام أبوداود في سننه من حديث معاوية بن حيدة -رضي الله عنه- قال: قلت: يا رسول الله، ما حق زوجة أحدنا عليه، قال: أن تطعمها إذا طعمت، وتكسوها إذا اكتسيت، ولا تضرب الوجه، ولا تقبح، ولا تهجر إلا في البيت.

فإن استوفى الزوج الخطوتين الأوليين، وبذل وسعه في ذلك، ولم ينصلح الأمر، جاز له أن يضربها على جهة التأديب والإصلاح، لا على جهة الانتقام والبغي؛ وذلك بمراعاة جملة أمور، منها:

1 ـ أن لا يكون الضرب في نفسه مبرحا، أي: شديدا مؤذيا تاركا شينا، أو عيبا.

2 – أن تكون آلته غير مؤذية، بل تكون مثل المسواك، أو المنديل، أو طرف الثوب، فعن عطاء قال: قلت لابن عباس: ما الضرب غير المبرح؟ قال: السواك، وشبهه، يضربها به. رواه ابن جرير، وغيره.

وقال البهوتي في كشاف القناع: الأولى ترك ضربها؛ إبقاء للمودة. وقيل: يضربها بدرة، أو مخراق -وهو منديل ملفوف- لا بسوط، ولا بخشب؛ لأن المقصود التأديب. اهـ.

ومن هذا؛ يمكن أن يقال: إن المقصود من هذا الضرب أساسا هو الأثر النفسي، وليس الإيذاء الجسدي.

3 ـ أن لا يضربها على وجهها.

4 ـ أن لا يشتمها بالتقبيح.

5 ـ أن يستصحب أثناء هذه المعاملة نية حصول المقصود من صلاح الزوجة وطاعتها زوجها، لا أن يكون قصده الثأر، والانتقام.

6 ـ أن يكف عن هذه المعاملة عند حصول المقصود.

وهنا ننبه على أمور:

الأمر الأول: أن موجب الضرب إذا تحقق، فإنه يكون الضرب مباحا، لا مستحبا، ويبقى العفو هو الأفضل، قال الإمام الشافعي في الأم: في نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن ضرب النساء، ثم إذنه في ضربهن، وقوله: لن يضرب خياركم يشبه أن يكون -صلى الله عليه وسلم- نهى عنه على اختيار النهي، وأذن فيه بأن مباحا لهم الضرب في الحق، واختار لهم أن لا يضربوا؛ لقوله: لن يضرب خياركم. اهـ.

وقال ابن جرير في مسند عمر من تهذيب الآثار: الذي هو أفضل للمرء، وأحسن به، الصبر على أذى أهله، والإغضاء عنهم، والصفح عما يناله منهم من مكروه في ذات نفسه، دون ما كان في ذات الله؛ وذلك للذي ذكر عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من صبره على ما كان يكون إليه منهن، بقوله: "بلغني عن بعض أمهات المؤمنين شدة على رسول الله، وأذاهن إياه". ولم يذكر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه عاقبهن على ذلك، بل ذكر أنه هو الذي وعظهن عليه دون رسول الله، حتى أنزل الله فيهن ما أنزل. وبنحو الذي ذكر عمر عنه من خلقه معهن، تتابعت الأخبار عنه، وإلى مثل الذي كان يستعمل معهن من الأخلاق ندب أمته -صلى الله عليه وسلم-. اهـ.

ثم ذكر بعض الأحاديث في ذلك، كقوله -صلى الله عليه وسلم-: خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي. وحديث: خياركم خياركم لنسائه.

ثم تعرض بعد ذلك للخلاف في مسألة ضرب النساء، وما استدل به كل فريق، ثم قال: والصواب من القول في ذلك عندنا: أنه غير جائز لأحد ضرب أحد من الناس، ولا أذاه إلا بالحق؛ لقول الله تعالى: {والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا} [الأحزاب:58]، سواء كان المضروب امرأة وضاربها زوجها، أو كان مملوكا أو مملوكة وضاربه مولاه، أو كان صغيرا وضاربه والده، أو وصي والده وصاه عليه، غير أن الله تعالى ذكره أباح لهؤلاء الذين سمينا -من ضرب من ذكرنا بالمعروف فيما فيه صلاحهم على وجه الأدب- ما حظر على غيرهم، إلا لذي سلطان وقيم للمسلمين. اهـ.

ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم الأسوة الحسنة، فعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه شيئا قط بيده، ولا امرأة، ولا خادما، إلا أن يجاهد في سبيل الله، وما نيل منه شيء قط فينتقم من صاحبه، إلا أن ينتهك شيء من محارم الله، فينتقم لله. رواه مسلم.

وعن إياس بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تضربوا إماء الله"، فجاء عمر إلى رسول الله فقال: ذئرن النساء على أزواجهن، فرخص في ضربهن، فأطاف بآل رسول الله صلى الله عليه وسلم نساء كثير يشكون أزواجهن، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لقد طاف بآل محمد نساء كثير يشكون أزواجهن، ليس أولئك بخياركم". رواه أبو داود، وابن ماجه، والدارمي، وصححه ابن حبان، والألباني.

والأمر الثاني: الضرب للتأديب والإصلاح، فمن علم أنه لا يفيد في ذلك، لم يكن الضرب في حقه مشروعا، قال الدميري في شرح المنهاج: إنما يجوز ضربها إذا علم أنه يصلحها، أو ظنه، فإن علم عدم إفادته، لم يجز. اهـ.

وقال ابن قاضي شهبة في بداية المحتاج: ضرب ضربا غير مبرح، إذا ظن أن الضرب يصلحها. اهـ.

وقال الرملي في نهاية المحتاج: يجوز له؛ بشرط علمه بإفادته. اهـ.

وقال زكريا الأنصاري في أسنى المطالب، والخطيب الشربيني في مغني المحتاج: إنما يجوز الضرب إن أفاد ضربها في ظنه، وإلا فلا يضربها. اهـ.

قال البجيرمي في حاشيته: قوله: (وإلا فلا يضربها) أي: يحرم؛ لأنه عقوبة بلا فائدة. اهـ.

الأمر الثالث هو: أنه في حال جواز استخدام هذه الوسيلة بضوابطها الشرعية، فإنه قد يعرض لها ما يجعلها غير مشروعة، إذا كان سيترتب عليها مفسدة أعظم، أو ضرر على الرجل، كأن يكون في بلد يجرم قانونه من يمارسها، ويعرضه للسجن، أخرج الإمام أحمد في المسند من حديث حذيفة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا ينبغي لمسلم أن يذل نفسه، قيل: وكيف يذل نفسه؟ قال: يتعرض من البلاء لما لا يطيق

وبعد هذا البيان من كلام الله تعالى، وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم، وكلام الراسخين من أهل العلم لهذه الوسيلة التأديبية، وكيفيتها، وضوابطها، ومسوغاتها، ومتى تشرع، فينبغي أن يكون غير خاف على منصف عاقل أن شرع الله غير مسؤول عن تعدي من يستخدم هذه الوسيلة التأديبية في غير محلها، أو يسيء استخدامها، ولا يلتزم بالضوابط الشرعية في حال مشروعيتها، وأن فعله ذلك ليس حجة على الإسلام الذي خالفه، ولم يلتزم بضوابطه.

وفي الختام: تجدر الإشارة إلى أنه ينبغي لكلا الزوجين مراعاة جانب الرأفة، والرحمة كلا مع الآخر، وأن يتجنبا الجنوح إلى هذه الحالة، ما استطاعا إلى ذلك سبيلا.

وإنه مما يعين على ذلك التغاضي عن بعض الأخطاء التي لا تخل بأمور الشرع، ولو أن كلا الزوجين تدارسا طرفا من الهدي النبوي في ذلك، لكان حسنا، كباب حق الزوج على المرأة، وباب الوصية بالنساء من كتاب: رياض الصالحين، ونحوه من كتب السنة.

جعلنا الله جميعا من عباده الصالحين.

وانظر لمزيد الفائدة الفتاوى: 129501، 5729، 113289، 161871.

والله أعلم. 

مواد ذات صلة

الفتاوى