السؤال
أليس من الصحيح الأخذ بآخر الكتب السماوية أو الجمع بينها؟ فمثلا النصارى يأخذون بالتوارة ـ العهد القديم ـ والإنجيل ـ العهد الجديد ـ ولا يأخذون بالزبور وهو أحدث من التوراة.
أليس من الصحيح الأخذ بآخر الكتب السماوية أو الجمع بينها؟ فمثلا النصارى يأخذون بالتوارة ـ العهد القديم ـ والإنجيل ـ العهد الجديد ـ ولا يأخذون بالزبور وهو أحدث من التوراة.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد جاء نبي الله عيسى صلى الله عليه وسلم مجددا لشريعة موسى، ومصدقا لما بين يديه من التوراة، وأنزل الله عليه الإنجيل مصدقا لما بين يديه من التوراة، وقد كان في التشريع الذي جاء به عيسى بيان للحق فيما اختلف فيه بنو إسرائيل، وتحليل لبعض المحرمات، ونسخ بعض أحكام التوراة. وكلف الله تعالى من بعث فيهم عيسى بالحكم بما في الإنجيل، وحكم على من لم يحكم به بالفسق، قال الله تعالى: وقفينا على آثارهم بعيسى ابن مريم مصدقا لما بين يديه من التوراة وآتيناه الأنجيل فيه هدى ونور ومصدقا لما بين يديه من التوراة وهدى وموعظة للمتقين وليحكم أهل الأنجيل بما أنزل الله فيه ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون { المائدة: 48ـ 47}.
وقال تعالى: ولما جاء عيسى بالبينات قال قد جئتكم بالحكمة ولأبين لكم بعض الذي تختلفون فيه فاتقوا الله وأطيعون {الزخرف: 63}.
وقال تعالى إخبارا عن عيسى أنه قال: ومصدقا لما بين يدي من التوراة ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم وجئتكم بآية من ربكم فاتقوا الله وأطيعون {آل عمران: 50}.
وقد ذكر ابن كثير في التفسير: أن الأصح والمشهور عند أهل العلم أن الإنجيل فيه نسخ بعض أحكام التوراة.
وأما عدم عمل النصارى بالزبور: فلعل سببه أن داود ـ عليه السلام ـ كان من رسل بني إسرائيل، وكان المؤمنون في عصره يتعبدون بالأحكام المنزلة في التوراة، وأما الزبور: فقد ذكر القرطبي أنه لم تكن فيه أحكام ولا حلال ولا حرام، وإنما هو حكم ومواعظ، وبهذا يعلم أن الأمة التي نزل عليها الزبور هي أمة بني إسرائيل.
هذا وننبه إلى أن المسلمين اليوم لا يشرع لهم التعبد بالإنجيل لأنه لم يسلم من الزيادة والنقص والتبديل والتغيير، وبالتالي، فما فيه من حق قد التبس بالباطل ولا يمكن تمييزه إلا بالرجوع إلى القرآن المحفوظ من التحريف والتبديل، قال تعالى: إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون {الحجر:9}.
وقال تعالى: وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه {المائدة: 48}.
قال السعدي: مصدقا لما بين يديه من الكتاب ـ لأنه شهد لها ووافقها، وطابقت أخباره أخبارها، وشرائعه الكبار شرائعها وأخبرت به، فصار وجوده مصداقا لخبرها: ومهيمنا عليه ـ أي: مشتملا على ما اشتملت عليه الكتب السابقة وزيادة في المطالب الإلهية والأخلاق النفسية، فهو الكتاب الذي تتبع كل حق جاءت به الكتب فأمر به، وحث عليه، وأكثر من الطرق الموصلة إليه، وهو الكتاب الذي فيه نبأ السابقين واللاحقين، وهو الكتاب الذي فيه الحكم والحكمة والأحكام الذي عرضت عليه الكتب السابقة، فما شهد له بالصدق فهو المقبول، وما شهد له بالرد فهو مردود قد دخله التحريف والتبديل، وإلا فلو كان من عند الله لم يخالفه. هـ.
وقد شهد الله تعالى على أهل الكتاب بتحريف كتبهم السماوية، قال تعالى: أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون {البقرة:75}.
وقال تعالى: فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون {البقرة:79}.
والله أعلم.