الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مسألة قيام الحجة على اليهود والنصارى

السؤال

من نواقض الإسلام: يجب تكفير المشركين. لكن هل اليهود والنصارى في زماننا قامت عليهم الحجة. هل دعاهم أحد؟ والله عز وجل يقول: وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا. فالله من عدله أن يقيم الحجة على العبد.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فنقول ابتداء إن عبارة السائل: "من نواقض الإسلام يجب تكفير المشركين" غير صحيحة، فتكفيرهم واجب وليس من النواقض.

ولعله يعني أن من النواقض للإسلام عدم تكفير اليهود والنصارى، وكل من دان بغير الإسلام، وهذا حق، وقد فصلناه في الفتوى: 168803.
ولا شك في كفر اليهود والنصارى، وكفرهم ثابت بالنص والإجماع، ومعلوم من الدين بالضرورة، كما سبق بيانه في الفتوى: 2924.

والحكم عليهم -وعلى غيرهم من المشركين- بالكفر، لا يتوقف على قيام الحجة عليهم، وقد وصفهم الله تعالى بالكفر قبل أن تأتيهم البينة وتقوم الحجة عليهم بها، ثم لما جاءتهم البينة آمن مَنْ آمن منهم، وأصر منهم طائفة على الكفر، قال الله تعالى في سورة البينة: لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ. {سورة البينة:1}.

قال البغوي في تفسيره: {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ} وَهْمُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى، {وَالْمُشْرِكِينَ} وَهُمْ عَبَدَةُ الْأَوْثَانِ، {مُنْفَكِّينَ} مُنْتَهِينَ عَنْ كُفْرِهِمْ وَشِرْكِهِمْ، وَقَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ: زَائِلِينَ مُنْفَصِلِينَ، يُقَالُ: فَكَكْتُ الشَّيْءَ فَانْفَكَّ، أَيِ: انْفَصَلَ، {حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ} لَفْظُهُ مُسْتَقْبَلٌ وَمَعْنَاهُ الْمَاضِي، أَيْ: حَتَّى أَتَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ، الْحُجَّةُ الْوَاضِحَةُ، يَعْنِي: مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَتَاهُمْ بِالْقُرْآنِ فَبَيَّنَ لَهُمْ ضَلَالَاتِهِمْ وَجَهَالَتَهُمْ وَدَعَاهُمْ إِلَى الْإِيمَانِ. فَهَذِهِ الْآيَةُ فِيمَنْ آمَنَ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ، أَخْبَرَ أَنَّهُمْ لَمْ يَنْتَهُوا عَنِ الْكُفْرِ حَتَّى أَتَاهُمُ الرَّسُولُ فَدَعَاهُمْ إِلَى الْإِيمَانِ، فَآمَنُوا، فَأَنْقَذَهُمُ اللَّهُ مِنَ الْجَهْلِ وَالضَّلَالَةِ. اهــ.
فالكافر الأصلي الذي دان بغير دين الإسلام هو كافر في الواقع، ولا يتوقف الحكم عليه بالكفر على إقامة الحجة، وقيام الحجة أو عدم قيامها إنما يتوقف عليه دخولهم النار يوم القيامة، كما أن قيام الحجة عليهم لا يتوقف على دعوتهم، فاليهود والنصار الذين سمعوا بالنبي صلى الله عليه وسلم ولم يؤمنوا به، لا عذر لهم عند الله يوم القيامة؛ ففي صحيح مسلم من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ: يَهُودِيٌّ، وَلَا نَصْرَانِيٌّ، ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ، إِلَّا كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ. رواه مسلم.
ومن المعلوم أن شهرة دين الإسلام قد طبقت مشارق الأرض ومغاربها، ولا يوجد بلدٌ من البلدان إلا وفيه مسلمون، ومشايخ، ودعاة، ووسائل إعلام للمسلمين، ودين الإسلام هو الأوسع انتشارا، فلا يُتصور مع هذا أنهم لم يسمعوا بالنبي صلى الله عليه وسلم، بل ولا يصح أن يقال مع هذا الانتشار للإسلام أنه لم يَدعُهم أحد إليه.

ولو فُرِضَ أنه وجد منهم من لم تصله دعوة الإسلام، فإن الله تعالى حكمٌ عدل، لا يعذب أحدا يوم القيامة لم تبلغه الرسالة في الدنيا، وإنما يمتحنهم كما بيناه في الفتوى: 171719 عن حكم من لم تبلغه رسالة الإسلام، وراجع للفائدة، الفتاوى: 172317، 194541، 424423.
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني