السؤال
هل يجوز إنزال الآيات التي تتحدث عن الكفار على عموم المؤمنين, ومخاطبة المسلمين بها، أم أنها تختص وأحكامها فقط بالكفار - جزاكم الله خيرا -؟
هل يجوز إنزال الآيات التي تتحدث عن الكفار على عموم المؤمنين, ومخاطبة المسلمين بها، أم أنها تختص وأحكامها فقط بالكفار - جزاكم الله خيرا -؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالصفات المتعلقة بخطاب الكفار ـ سواء كانوا أهل الكتاب, أم وثنيين, أم منافقين ـ في القرآن نوعان :
النوع الأول : صفات مكفرة - كتكذيب الرسل, وعبادة غير الله, وتعظيم الأوثان - فبهذه الصفات استحقوا وصف الكفر في الدنيا, والخلود في النار في الآخرة، فالآيات الدالة على هذه الصفات لا يجوز إسقاطها على غير الكفار؛ لئلا يلزم تكفير المسلمين, وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: إذا قال الرجل لأخيه: يا كافر، فقد باء به أحدهما. متفق عليه.
وهذه طريقة الخوارج, كما قال ابن عمر فيهم في البخاري تعليقا: "إنهم انطلقوا إلى آيات نزلت في الكفار فجعلوها على المؤمنين" وكتطبيق لهذا النوع انظر الفتوى: 105713.
والنوع الثاني: صفات غير مكفرة - كالغفلة, وقسوة القلب, والجدال بالباطل, واتباع الهوى, وقتل الصالحين - فهذه الصفات والأفعال لا تستوجب كفر صاحبها, لكن القرآن حذرنا منها؛ لأن المعاصي بريد الكفر -كما يقول علماؤنا- وقد قال نبينا صلى الله عليه وسلم: من تشبه بقوم فهو منهم. رواه أحمد, وصححه الألباني.
فإذا دلت آية أو بعض آية على شيء من صفات الكفار من النوع الثاني جاز إسقاط الصفة ـ دون إنزال وصف الكفر, أو حكمه ـ على من اتصف بها من المسلمين، تحذيرا له من مغبة ذلك.
وقد دل على ذلك عدة أدلة:
ـ منها: الإجماع السكوتي -كما قرره القرطبي في تفسيره- فقال في قول الله تعالى: أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها {الأحقاف:20}: وهذه الآية نص في الكفار، ومع ذلك ففهم منها عمر ـ رضي الله عنه ـ الزجر عما يناسب أحوالهم بعض المناسبة، ولم ينكر عليه أحد من الصحابة.
ـ ومنها: فعل النبي صلى الله عليه وسلم حيث خاطب عليا - رضي الله عنه - كما في البخاري بقوله تعالى: وكان الإنسان أكثر شيء جدلا {الكهف:54} والآيات مكية, وسياقها في الكفار.
ـ ومنها: فعل الصحابة: فقد كانوا ينزلون آيات الكفار في المبتدعة, وليسوا كلهم بكفرة: ففي تفسير ابن كثير عن ابن عباس في قوله تعالى: يوم تبيض وجوه وتسود وجوه} آل عمران:106}: حين تبيض وجوه أهل السنة والجماعة، وتسود وجوه أهل البدعة والفرقة.
وقال أيضا في تفسير آية سورة الكهف: قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا {الكهف:103}: قال علي بن أبي طالب, والضحاك, وغير واحد:هم الحرورية. انتهى. وكان علي لا يكفر الخوارج.
ـ ويدل له أيضا: تنزيل الصحابة آيات الكفار على أنفسهم, ففي الترمذي, وحسنه الألباني, عن أبي هريرة قال: لما نزلت هذه الآية: ثم لتسألن يومئذ عن النعيم [التكاثر: 8} قال الناس: يا رسول الله، عن أي النعيم نسأل, فإنما هما الأسودان, والعدو حاضر، وسيوفنا على عواتقنا؟ قال: إن ذلك سيكون.
وقد روى الطبري عن ابن عباس في قوله: ثم لترونها عين اليقين {التكاثر:7} يعني: أهل الشرك.
وقوله تعالى: إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا أولئك لا خلاق لهم في الآخرة {آل عمران:77} نزلت في أهل الكتاب، واستدل بها الصحابة على الوعيد الوارد في اليمين الغموس، كما رواه البخاري عن ابن مسعود - رضي الله عنه -، وهذا له أمثلة كثيرة.
وهكذا درج على هذه الطريقة أهل العلم قديما وحديثا, ففي جامع بيان العلم لابن عبد البر استدلالات عدة منه - رحمه الله - على تحريم التقليد في الفقه بآيات في تقليد الكفار لآبائهم، وقال الدكتور مساعد الطيار: وليس يلزم من تنزيل الحكم بشيء من أوصاف الكفار على أحد العصاة، أنه متصف بكامل أوصاف الكفار، وإلا لكان الكلام عن كفار، لا عن مؤمنين، وهذا ما وضحه الشنقيطي (ت: 1393) في المثال الذي ذكره في حكم التقليد.
ولمن أراد المزيد: فمن أفضل من فصل في هذه المسألة وحررها ـ فيما وقفنا عليه ـ الدكتور الطيار في (ملتقى أهل التفسير) في بحثه: (الاستشهاد بالآيات في غير ما نزلت فيه وتنـزيل آيات الكفار على المؤمنين).
والله أعلم.