تنزيل وإسقاط آيات الكفار على المؤمنين.. حالات الجواز والمنع

0 320

السؤال

هل يجوز إنزال الآيات التي تتحدث عن الكفار على عموم المؤمنين, ومخاطبة المسلمين بها، أم أنها تختص وأحكامها فقط بالكفار - جزاكم الله خيرا -؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد‎:‎

فالصفات المتعلقة بخطاب الكفار ـ سواء كانوا أهل الكتاب, أم وثنيين, أم منافقين ـ في القرآن نوعان‎ :‎
النوع الأول : صفات ‏مكفرة - كتكذيب الرسل, وعبادة غير الله, وتعظيم الأوثان - فبهذه الصفات استحقوا وصف الكفر في ‏الدنيا, والخلود في النار في الآخرة، فالآيات الدالة على هذه الصفات لا يجوز إسقاطها على غير الكفار؛ لئلا يلزم تكفير ‏المسلمين, وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ‎إذا قال الرجل لأخيه: يا كافر، فقد ‏باء به أحدهما‎. ‎ متفق عليه.

‏وهذه طريقة الخوارج, كما قال ابن عمر فيهم في البخاري تعليقا: "إنهم انطلقوا إلى آيات ‏نزلت ‏في الكفار فجعلوها ‏على المؤمنين‎"‎ وكتطبيق لهذا النوع انظر الفتوى: 105713.‏
‏ والنوع الثاني: صفات غير مكفرة - كالغفلة, وقسوة القلب, والجدال بالباطل, واتباع الهوى, وقتل الصالحين - فهذه ‏الصفات ‏والأفعال لا تستوجب كفر صاحبها, لكن القرآن حذرنا منها؛ لأن المعاصي بريد الكفر -كما يقول علماؤنا- وقد قال نبينا ‏صلى الله عليه وسلم: ‎من تشبه بقوم فهو ‏منهم. ‎رواه أحمد, وصححه الألباني.

فإذا دلت آية أو بعض آية على ‏شيء من صفات الكفار من النوع الثاني جاز إسقاط الصفة ‏ـ دون إنزال وصف الكفر, أو حكمه ـ على من اتصف بها ‏من المسلمين، تحذيرا له من مغبة ذلك‎.
وقد دل على ذلك عدة أدلة:‏‎
ـ منها: الإجماع السكوتي -كما قرره القرطبي في تفسيره- فقال في قول الله تعالى‎: أذهبتم طيباتكم في حياتكم ‏الدنيا واستمتعتم بها‎ ‎{الأحقاف:20‏‎}: وهذه الآية نص في الكفار، ومع ذلك ففهم منها عمر ـ رضي الله عنه ‏ـ الزجر عما يناسب أحوالهم بعض المناسبة، ولم ينكر عليه ‏أحد من الصحابة‎.
ـ ومنها: فعل النبي صلى الله عليه وسلم حيث خاطب عليا - رضي الله عنه - كما في البخاري بقوله تعالى: وكان ‏الإنسان أكثر شيء جدلا {‎الكهف:54} والآيات مكية, وسياقها في الكفار‏‎.
ـ ومنها: فعل الصحابة: فقد كانوا ينزلون آيات الكفار في المبتدعة, وليسوا كلهم بكفرة: ففي تفسير ابن كثير عن ابن ‏عباس في قوله ‏تعالى: ‎يوم تبيض وجوه وتسود وجوه‎} ‎آل عمران:106‏‎}: حين تبيض وجوه أهل السنة ‏والجماعة، وتسود وجوه أهل البدعة والفرقة‎.

‎وقال أيضا ‏في تفسير آية سورة الكهف: ‎قل هل ننبئكم ‏بالأخسرين أعمالا {‎الكهف:103‏‎}: قال علي بن أبي طالب, والضحاك, وغير واحد:هم الحرورية. ‎انتهى. وكان ‏علي لا يكفر الخوارج.‏‎
ـ ويدل له أيضا: تنزيل الصحابة آيات الكفار على أنفسهم, ففي الترمذي, وحسنه الألباني, عن أبي هريرة قال: لما ‏نزلت ‏هذه الآية‎: ثم لتسألن يومئذ عن النعيم [‎التكاثر: 8‏‎} قال‎ ‎الناس: يا رسول الله، ‏عن أي النعيم نسأل, فإنما هما ‏الأسودان, والعدو حاضر، وسيوفنا على عواتقنا؟ قال: ‏‏إن ذلك سيكون‎.

وقد روى الطبري عن ابن عباس في قوله: ثم لترونها عين اليقين {‎التكاثر:7‏} ‎يعني: أهل الشرك‎.

وقوله تعالى: ‎إن الذين يشترون بعهد الله ‏وأيمانهم ثمنا قليلا أولئك لا خلاق لهم في الآخرة {‎آل عمران:77} نزلت في أهل الكتاب، واستدل ‏بها الصحابة على ‏الوعيد الوارد في اليمين الغموس، كما رواه البخاري عن ‏ابن مسعود - رضي الله عنه -، وهذا له أمثلة كثيرة.‏‎
وهكذا درج على هذه الطريقة أهل العلم قديما وحديثا, ففي جامع بيان العلم لابن عبد البر استدلالات عدة منه - رحمه ‏الله - على تحريم التقليد في الفقه بآيات في ‏تقليد الكفار ‏لآبائهم، وقال الدكتور مساعد الطيار‎: وليس يلزم من تنزيل الحكم ‏بشيء من أوصاف الكفار على أحد العصاة، أنه ‏متصف بكامل أوصاف الكفار، وإلا لكان الكلام عن كفار، لا عن ‏مؤمنين، وهذا ما وضحه الشنقيطي (ت: 1393) في المثال الذي ‏ذكره في حكم التقليد.
ولمن أراد المزيد: فمن أفضل من فصل في هذه المسألة وحررها ـ فيما وقفنا عليه ـ الدكتور الطيار في (ملتقى أهل ‏التفسير) في ‏بحثه: (الاستشهاد بالآيات في غير ما نزلت فيه وتنـزيل آيات الكفار على المؤمنين).

والله أعلم‎.‎

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات