السؤال
أناس يعيشون في قرية بجانبها غابة حرجية مليئة بأشجار البلوط، وطالما كانوا يحتطبون منها، وقد منعت الدولة مؤخرا الاحتطاب منها نظرا لحصول تحطيب جائر بقص أشجار بكاملها بواسطة المناشير الحديثة، وغالب هؤلاء إن لم يكونوا كلهم من غير هذه القرية يأتون من مناطق أخرى ويفعلون ذلك، وقد عينت الدولة مراقبين على هذه الغابة يعتقلون ويغرمون كل من يضبط معه حطب، وأهل هذه القرية غالبهم فقراء والشتاء فيها بارد جدا وأسعار الوقود مرتفعة جدا كما هو معلوم في الأردن، فيضطر الناس إلى التحطيب خلسة عن طريق الحمير ويحرصون على أخذ الحطب اليابس ولا يتلفون أو يخربون هذه الغابة، فهل يجوز ذلك وفق هذه الظروف؟ وهل يجوز للمراقب غض الطرف عن هؤلاء رحمة بهم وبفقرهم؟.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ذكر أهل العلم أنه يجوز للدولة تقييد بعض المباح مراعاة للمصلحة العامة، لأن السلطات من وظائفها مراعاة مصالح المجتمع ومنع ما يضر به، فإن اضطر هؤلاء الفقراء للحطب ولم يكونوا ممن يفسدون، بل يقتصرون على اليابس من الحطب فيجوز لهم ذلك من باب الضرورة، ولأنهم باقتصارهم على اليابس لم يخالفوا المصلحة التي من أجلها منع الاحتطاب، لأن الظاهر أن الدولة حجرت على الناس بسبب قطع الأشجار بكاملها، وأما من اقتصر على الحطب اليابس فلا تجب الطاعة عليه باطنا إن أمن من الضرر، فإن لم يأمن الضرر فلا يجوز له ذلك، فقد قال الخادمي في بريقة محمودية: وكل مأمور بإطاعة من له الأمر إن على الشرع فبها، فإن لم يكن على الشرع، فإن أدى عصيانه إلى فساد عظيم فيطيع فيه أيضا، إذ الضرر الأخف يرتكب للخلاص من الضرر الأشد والأعظم... اهـ.
وجاء في تحفة المحتاج: الذي يظهر أن ما أمر به ـ يعني ولي الأمرـ مما ليس فيه مصلحة عامة لا يجب امتثاله إلا ظاهرا فقط بخلاف ما فيه ذلك يجب باطنا أيضا. اهـ.
ثم إنه ينبغي للمراقبين التساهل مع الضعفاء في مثل هذه الأمور، فقد قال الحطاب المالكي في شرح المختصر: قال الشافعية: وينبغي للوالي إذا حمى أن يجعل للحمى حافظا يمنع أهل القوة من الرعي فيه ويأذن للضعيف والعاجز، فإن دخله أحد من أهل القوة ورعى منع ولا غرم عليه ولا تعزير، قال الحطاب: قلت: وهو ظاهر، وكلام أهل المذهب يقتضيه، فقد قال ابن عبد السلام والمصنف في التوضيح: وقد صح أن عمر ـ رضي الله عنه ، قال لهني حين ولاه على الحمى: أدخل رب الصريمة والغنيمة وإياي ونعم ابن عوف وابن عفان. اهـ.
إلا أن قولهم لا تعزير عليه فيه نظر، والظاهر أن من بلغه النهي وتعدى بعد ذلك ورعى في الحمى فللإمام أن يعزره.. ثم ذكر ما في الموطأ أن عمر بن الخطاب استعمل مولى له يسمى هنيا على الحمى فقال: يا هني اضمم جناحك عن الناس واتق دعوة المظلوم، فإن دعوة المظلوم مجابة، وأدخل رب الصريمة والغنيمة، وإياك ونعم ابن عفان وابن عوف، فإنهما إن تهلك ماشيتهما يرجعان إلى المدينة إلى زرع ونخل، وإن رب الصريمة والغنيمة إن تهلك ماشيته يأتني ببنيه فيقول يا أمير المؤمنين، يا أمير المؤمنين أفتاركهم أنا لا أبا لك؟ فالماء والكلأ أيسر علي من الذهب والورق، وأيم الله إنهم ليرون أن قد ظلمتهم، إنها لبلادهم ومياههم قاتلوا عليها في الجاهلية وأسلموا عليها في الإسلام، والذي نفسي بيده لولا المال الذي أحمل عليه في سبيل الله ما حميت عليهم من بلادهم شبرا. اهـ.
والله أعلم.