السؤال
جزاكم الله خيرا على هذا الموقع، وهذه الجهود المباركة، وجعل الله ذلك في موازين حسناتكم: لقد اطلعت على الكثير من الفتاوى المتعلقة بذبائح أهل الكتاب في موقعكم المبارك، والذي استقر عندي بعد الاطلاع على تلك الفتاوى أن ذبائح أهل الكتاب إذا ذبحت بطريقة شرعية فهي حل لنا، وينطبق ذلك على الدجاج خاصة كما ذكرتم، إلا أن الإشكال هنا بقي في التسمية، فكما لا يخفى على فضيلتكم أن معظم أهل الكتاب في هذه الأيام في أوروبا وأمريكا وكندا ـ وأكتب لكم هذه الرسالة من كندا ـ لا يذكرون اسم الله على الذبائح ولا يعرفون معناها أصلا، ولا يتحدثون العربية مطلقا، وهذا هو الأصل فيهم في هذه الأيام ـ والله أعلم ـ والسؤال هو: هل القول بوجوب التسمية على الذبيحة قول راجح أم مرجوح؟ وما الدليل على ذلك؟ وكيف خالف الشافعية صريح قوله تعالى: ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق ـ الآية؟ وهل يمكن أن نستدل هنا بحديث عائشة ـ رضي الله عنها ـ في البخاري: بقول النبي صلى الله عليه وسلم: سموا أنتم وكلوا ـ على الرغم من أن الشك في عدم تسميتهم عند الذبح في هذه الأيام قد يصل إلى غلبة الظن؟ أفيدونا مأجورين، وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد تقدم الكلام عن حكم التسمية على الذبيحة، وذلك في الفتويين رقم: 16637، ورقم: 17995.
وقد بينا أن الراجح هو وجوب التسمية عند الذبح، وهو قول الجمهور، وقد ذكر بعض أدلتهم ابن قدامة ـ رحمه الله ـ في المغني حيث قال: وأما الذبيحة: فالمشهور من مذهب أحمد, أنها شرط مع الذكر, وتسقط بالسهو، وروي ذلك عن ابن عباس، وبه قال مالك, والثوري, وأبو حنيفة, وإسحاق، وممن أباح ما نسيت التسمية عليه, عطاء, وطاوس وسعيد بن المسيب, والحسن, وعبد الرحمن بن أبي ليلى, وجعفر بن محمد, وربيعة, وعن أحمد أنها مستحبة غير واجبة في عمد ولا سهو، وبه قال الشافعي، لما ذكرنا في الصيد، قال أحمد: إنما قال الله تعالى: ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه ـ يعني الميتة، وذكر ذلك عن ابن عباس ولنا, قول ابن عباس: من نسي التسمية فلا بأس ـ وروى سعيد بن منصور بإسناده عن راشد بن ربيعة, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ذبيحة المسلم حلال وإن لم يسم, إذا لم يتعمد، أو لأنه قول من سمينا, ولم نعرف لهم في الصحابة مخالفا، وقوله تعالى: ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه ـ محمول على ما تركت التسمية عليه عمدا, بدليل قوله: وإنه لفسق ـ والأكل مما نسيت التسمية عليه ليس بفسق، ويفارق الصيد، لأن ذبحه في غير محل, فاعتبرت التسمية تقوية له, والذبيحة بخلاف ذلك. انتهى.
وقال أيضا ـ رحمه الله ـ فيما إذا ترك الكتابي التسمية عن عمد: فإن ترك الكتابي التسمية عن عمد، أو ذكر اسم غير الله، لم تحل ذبيحته. انتهى.
وهذا أحد القولين في مسألة اشتراط التسمية لحل ذبيحة الكتابي، والقول الآخر أنها تحل لنا ولو لم يذكروا اسم الله عليها، وهي رواية عن الإمام أحمد، حكاها الكوسج في مسائله للإمام أحمد وإسحاق بن راهويه، حيث قال: قلت: نصراني ذبح ولم يسم؟ قال ـ أي الإمام أحمد: لا بأس به، قال إسحاق ـ أي ابن راهويه: كما قال. انتهى.
وقال النفراوي المالكي في الفواكه الدواني: ظاهر كلام المصنف كغيره طلب التسمية والنية عند الذكاة من المسلم والكافر، وليس كذلك، فقد قال الأجهوري: محل الوجوب فيهما إذا كان المذكي مسلما، وأما إن كان كافرا فلا يعتبر في أكل ذكاته نية، ولا تسمية. انتهى.
ومما سبق تعلم أن القول الأخير فيه توسعة على الناس ورفع الحرج عنهم، وإن كان العمل بالقول الأول أبعد عن الشبهة. وأما عن جواب الشافعية عن الآية التي سألت عنها: فقد ذكر ذلك الخطيب الشربيني من الشافعية في كتابه مغني المحتاج حيث قال رحمه الله: فلو تركها ولو عمدا حل، لأن الله أباح ذبائح أهل الكتاب بقوله: وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم ـ وهم لا يذكرونها, وأما قوله تعالى: ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه ـ فالمراد ما ذكر عليه غير اسم الله، يعني ما ذبح للأصنام بدليل قوله تعالى: وما أهل لغير الله به ـ وسياق الآية دل عليه، فإنه قال: وإنه لفسق ـ والحالة التي يكون فيها فسقا هي الإهلال لغير الله تعالى: أو فسقا أهل لغير الله به ـ والإجماع قام على أن من أكل ذبيحة مسلم لم يسم عليها ليس بفسق. انتهى.
والله أعلم.