الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهوني عليك أختنا الكريمة! فمسألة الحجاب من المسائل المتفق عليها من حيث الجملة بين الملل السماوية الثلاث: الإسلام، وكذا اليهودية والنصرانية قبل تحريفهما، وراجعي في تفصيل ذلك كتاب: الحجاب شريعة الله في الإسلام واليهودية والنصرانية ـ للدكتور سامي عامري، وهو متوفر على الموقع الرسمي للمكتبة الشاملة، وإنما الخلاف في نظرة أهل كل ملة إلى الحكمة من وراء فرضية الحجاب، فعندنا ـ نحن المسلمين ـ ليس ازدراء للمرأة ولا لكونها نجاسة!! وإنما هو مراعاة لطبيعتها وأنوثتها ووظيفتها، ثم مراعاة للعلاقة بينها وبين الرجال الأجانب عنها في مجتمعها، وراجعي في ذلك الفتوى رقم: 211780.
وأما حال المرأة قبل الإسلام عند الأمم قاطبة فقد كانت حالا يرثى لها: ذلا ومهانة، أو مجونا وخلاعة، كان ذلك عند الإغريق والفرس والرومان وأهل المشرق في الصين والهند، وكذلك عند العرب في الجاهلية، ولم تنصف عند أهل الكتاب من أصحاب الملل المحرفة، فهي في الدين النصراني المحرف الذي ينتمي إليه العالم الغربي اليوم: ينبوع المعاصي، وأصل السيئة والفجور، ويرى أن المرأة للرجل باب من أبواب جهنم من حيث هي مصدر تحركه وحمله على الآثام، ومنها انبجست عيون المصائب على الإنسانية جمعاء، ومن المضحكات المبكيات أنه في القرن الخامس الميلادي: اجتمع بعض اللاهوتيين ليبحثوا ويتساءلوا في ـ مجمع ماكون ـ هل المرأة جثمان بحت؟ أم هي جسد ذو روح يناط به الخلاص والهلاك؟ وغلب على آرائهم أنها خلو من الروح الناجية، وليس هناك استثناء بين جميع بنات حواء من هذه الوصمة إلا مريم ابنة عمران أم المسيح عيسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام.
وقد عقد الفرنسيون في عام: 586 م ـ أي في زمان شباب رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ مؤتمرا للبحث: هل تعد المرأة إنسانا أم غير إنسان؟ وهل لها روح أم ليس لها روح؟ وإذا كانت لها روح، فهل هي روح حيوانية أم روح إنسانية؟ وإذا كانت روحا إنسانية، فهل هي على مستوى روح الرجل أم أدنى منها؟ وأخيرا: قرروا أنها إنسان، ولكنها خلقت لخدمة الرجل فحسب.
وقد أصدر البرلمان الإنجليزي في عهد هنري الثاني ملك إنجلترا قرارا يحظر على المرأة أن تقرأ كتاب العهد الجديد ـ الإنجيل ـ لأنها نجسة.
وأما المرأة عند اليهود: فهم يعتبرونها لعنة، لأنها أغوت آدم، وعندما يصيبها الحيض لا يجالسونها ولا يؤاكلونها ولا تلمس وعاء حتى لا يتنجس، وكان بعضهم ينصب للحائض خيمة، ويضع أمامها خبزا وماء، ويجعلها في هذه الخيمة حتى تطهر، وكانت بعض طوائف اليهود تعتبر البنت في مرتبة الخادم، وكان لأبيها الحق في أن يبيعها قاصرة! وكانت المرأة في المجتمع اليهودي تعتبر مملوكة لأبيها قبل زواجها وتشترى منه عند نكاحها، لأن المهر كان يدفع لأبيها أو لأخيها على أنه ثمن شراء، ثم تصير مملوكة لزوجها وهو سيدها المطلق، فإذا مات زوجها ورثها وارثه، لأنها جزء من التركة، وله أن يبيعها أو يعضلها، وكان طبيعيا أن المرأة التي تورث كالمتاع لا حق لها في الميراث، والزوجة لا نصيب لها من تركة زوجها، بل ظلت جزءا من متاعه يرثها ذوو قرباه ـ ويمكن الاطلاع على تفاصيل ذلك في كتاب: المرأة بين تكريم الإسلام وإهانة الجاهلية ـ للدكتور محمد إسماعيل المقدم، وكتاب: المرأة بين الجاهلية والإسلام ـ للشيخ محمد حامد الناصر.
وأما المرأة في شريعة الإسلام: فحالها يدور مع العدل والحكمة من الخلق، فقد أنصفها الإسلام وأعطاها حقها وشرع لها وعليها ما يتحقق به صلاح المجتمع، وقد أشرنا إلى شيء من ذلك سابقا، فراجعي الفتويين رقم: 16441 ورقم: 136201.
وصدق ربعي بن عامر، في جوابه لرستم قائد الفرس لما سأله: ما جاء بكم؟ فقال: الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام. اهـ.
وأما ما أشارت إليه السائلة مما نشر على: ملتقى أهل التفسير ـ بعنوان: قالوا عن المرأة ويا ليتهم ما قالوا ـ للمهندس زهدي جمال الدين، ففيه مغالطة فاحشة، حيث أتى بصورة لمنتقبات مسلمات وأخرى ليهوديات منتقبات، وقال: فما الذي يجمع بين الصور السابقة وما الفرق بينهم؟ الذي يجمع بينهم هو نظرة السلفية للمرأة، إنها في نظرهم عورة، كلها عورة: وجهها، شعرها، صوتها، رأسها، كلها، بدنها كله.. فوجه المرأة عندهم كفرجها يجب أن يغطى، أما الفرق بينهم فالصورة الأولى والخاصة بالسلفية المصرية إنما ترجع إلى الفقه الذكوري ولا تعتمد على نصوص قرآنية صريحة أو أحاديث نبوية صحيحة، ولكنها ترجع إلى اجتهادات وتفسيرات يخطئ فهمها ويصيب من يتناولها بالفحص والتحليل، كما سوف نبينه في حينه، أما الصور التالية: فهي تعتمد على نصوص في التوراة والتلمود صريحة وصحيحة لا تقبل النقاش ولا التأويل... اهـ.
فمن الخطأ البين نسبة حكم حجاب المرأة المسلمة لما سماه الكاتب: الفقه الذكوري!! بل هو الفقه الإسلامي بأدلته، وأفهام أئمته، وشواهده التاريخية من عهد النبوة إلى يومنا هذا، فلم يختلف أهل العلم والفقه في مشروعية بل أفضلية ستر وجه المرأة، وإنما اختلفوا في وجوبه وحتميته، قال ابن حزم في مراتب الإجماع: اتفقوا على أن شعر الحرة وجسمها ـ حشا وجهها ويدها ـ عورة، واختلفوا في الوجه واليدين حتى أظفارهما أعورة هي أم لا؟.
ومع ذلك، فلم يقل أحد من علماء الشريعة ما يستدعي من الكاتب أن يفتري عليهم فيقول: فوجه المرأة عندهم كفرجها يجب أن يغطى!!! فهذا أسلوب مهين، وتشويش مفضوح! ويكفينا في ذلك حال أمهات المؤمنين وزوجاتهم وبناتهم في عهد النبوة! وعلى أية حال، فقد سبق لنا ذكر بعض أدلة النقاب في الفتوى رقم: 5224.
كما يمكنك إن أردت التوسع في هذا الموضوع الرجوع إلى ما أحلنا عليه في الفتوى رقم: 157033.
كما أن الراجح في صوت المرأة أنه ليس بعورة، وإنما عليها أن تتحاشى الخضوع به أو ترخيمه مما يستدعي تلذذ الرجال بسماعه، وراجعي في ذلك الفتويين رقم: 118478، ورقم: 59279، وما أحيل عليه فيهما.
وأخيرا ننبه على أن موافقة اليهود الأصوليين للحق في مسألة النقاب أو هيئة الحجاب في الظاهر، أو غير ذلك من المسائل: لا يصح الاحتجاج بها على إبطال الحق أو التشكيك فيه، أو ترك العمل به، فإنهم على بقية من شريعة سماوية فلا يبعد أن يظلوا على الحق في بعض المسائل، ويبقى الفرق بين المسلمين وبينهم في النظرة الكلية لقضية المرأة كما أشرنا إليه سابقا.
والله أعلم.