السؤال
ارتددت قبل الدخول بزوجتي، وبعد فترة أسلمت وقرأت أن من ارتد قبل الدخول فسخ نكاحه وأخذت بهذا الرأي، لكنني كنت لا أريد أن ينفسخ النكاح، وبقيت أفتش عن كلام العلماء، وأنتقل من فتوى إلى أخرى لأجد من يقول إن النكاح لا يفسخ قبل الدخول، وقرأت كلام ابن تيمية واقتنعت به، لكن لم أقل لزوجتي هل تقبلينني، لأنني ارتددت، حيث قرأت أنه يجب أن أقول لها إنني ارتددت فيكون الخيار لها إن شاءت قبلت وإن شاءت رفضت، فهل انفسخ النكاح خاصة أنني في البداية كنت على الرأي القائل بأن النكاح يفسخ بالردة قبل الدخول؟ وهل يفسخ النكاح بمجرد قبولي برأي أن النكاح يفسخ بالردة قبل الدخول ولا اعتبار لأخذي برأي ابن تيمية فيما بعد؟ كما أنني علقت طلاق الثلاث على أمر ما بعد التوبة من الردة، فهل وقع الطلاق إذا كان النكاح مفسوخا؟ وهل نكاحي مفسوخ أصلا ولا يترتب عليه شيء؟ الرجاء الاطلاع جيدا على هذا السؤال، مع العلم أنني جددت النكاح من جديد، وأنا الآن متزوج.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإننا ننبه أولا إلى أن الردة أمرها عظيم وخطبها جسيم وعاقبتها وخيمة، فيجب الحذر منها وقطع كل طريق يمكن أن يؤدي إليها، فاحمد ربك كثيرا أن أبقاك حيا حتى تبت إلى الله تعالى من هذا الذنب الذي هو أعظم الذنوب على الإطلاق، ولم تمت على الردة فيحبط عملك وتخسر الدنيا والآخرة وتخلد في نار جهنم، قال تعالى: ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون {البقرة:217 }.
وأما سؤالك: ففيه بعض التشويش والتداخل في عباراته مما يجعل تصور ما حصل غير واضح لنا، ولكن نقول لك على سبيل الإفادة: إن أكثر أهل العلم على أن ردة أحد الزوجين قبل الدخول ينفسخ بها النكاح فورا، وهذا هو المفتى به عندنا وانظر الفتوى رقم: 147405.
وإذا كنت عملت بقول شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله - بضوابطه معتقدا صحته وليس لمجرد الترخص بقول لا تطمئن إلى صحته، فلا حرج عليك ـ إن شاء الله ـ ويكون نكاحك صحيحا ولو كنت قبل علمك بهذا القول اعتقدت فسخ النكاح، وراجع الفتوى رقم: 186941.
ولمعرفة تحرير مذهب شيخ الإسلام ابن تيمية وأدلته راجع الفتاوى التالية أرقامها: 133087، 167737، 181559.
وعليه، فيكون طلاقك لزوجتك نافذا، فإن كنت طلقتها ثلاثا فقد بانت منك بينونة كبرى ولا سبيل لك إليها إلا إذا تزوجت زوجا غيرك ـ زواج رغبة لا زواج تحليل ـ ثم يطلقها الزوج الجديد بعد الدخول، أو يموت عنها وتنقضي عدتها منه، والذي ننصحك به هو أن تعرض مسألتك على من تمكنك مشافهته من أهل العلم الموثوقين.
وننبه أخيرا على أنه لا يجوز لمن اعتقد صحة النكاح أن يرجع ويبني على بطلانه حكما يوافق رغبته، فإن ذلك غير جائز، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: وليس لأحد بعد الطلاق الثلاث أن ينظر في الولي هل كان عدلا أو فاسقا، ليجعل فسق الولي ذريعة إلى عدم وقوع الطلاق، فإن أكثر الفقهاء يصححون ولاية الفاسق، وأكثرهم يوقعون الطلاق في مثل هذا النكاح، بل وفي غيره من الأنكحة الفاسدة، وإذا فرع على أن النكاح فاسد، وأن الطلاق لا يقع فيه، فإنما يجوز أن يستحل الحلال من يحرم الحرام، وليس لأحد أن يعتقد الشيء حلالا حراما، وهذا الزوج كان يستحل وطأها قبل الطلاق، ولو ماتت لورثها، فهو عامل على صحة النكاح، فكيف يعمل بعد الطلاق على فساده؟ فيكون النكاح صحيحا إذا كان له غرض في صحته، فاسدا إذا كان له غرض في فساده، وهذا القول يخالف إجماع المسلمين، فإنهم متفقون على أن من اعتقد حل الشيء، كان عليه أن يعتقد ذلك سواء وافق غرضه أو خالفه، ومن اعتقد تحريمه كان عليه أن يعتقد ذلك في الحالين، وهؤلاء المطلقون لا يفكرون في فساد النكاح بفسق الولي إلا عند الطلاق الثلاث، لا عند الاستمتاع والتوارث، يكونون في وقت يقلدون من يفسده، وفي وقت يقلدون من يصححه، بحسب الغرض والهوى، ومثل هذا لا يجوز باتفاق الأمة.
والله أعلم.