سب تراجع النبي عن أمره لأبي هريرة بالبشرى بدخول الجنة لمن نطق بالشهادتبن

0 259

السؤال

سؤالي يدور حول بعض المواقف التي تراجع فيه النبي صلى الله عليه وسلم ولا أقصد بتلك المواقف العادية مثل التكتيك في الحروب وأمور الدنيا الأخرى، بل أقصد أمورا متعلقة بالآخرة وأورد هذا الحديث كمثال: عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أنه قال: كنا قعودا حول رسول الله صلى الله عليه وسلم معنا أبو بكر وعمر في نفر، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم من بين أظهرنا فأبطأ علينا وخشينا أن يقتطع دوننا وفزعنا، فقمنا، فكنت أول من فزع فخرجت أبتغي رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتيت حائطا للأنصار لبني النجار فدرت به هل أجد له بابا فلم أجد، فإذا ربيع يدخل في جوف حائط في بئر خارجة ـ والربيع الجدول ـ فاحتفزت كما يحتفز الثعلب فدخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم: فقال: أبو هريرة؟ فقلت: نعم يا رسول الله، قال: ما شأنك؟ قلت: كنت بين أظهرنا فقمت فأبطأت علينا فخشينا أن تقتطع دوننا ففزعنا فكنت أول من فزع فأتيت هذا الحائط فاحتفزت كما يحتفز الثعلب وهؤلاء الناس ورائي، فقال: يا أبا هريرة ـ وأعطاني نعليه ـ قال: اذهب بنعلي هاتين فمن لقيت من وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلا الله مستقينا بها قلبة فبشره بالجنة، فكان أول من لقيت عمر، فقال: ما هاتان النعلان يا أبا هريرة؟ فقلت: هاتان نعلا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثني بهما من لقيت يشهد أن لا إله إلا الله مستيقنا بها قلبه بشرته بالجنة فضرب عمر بيده بين ثديي فخررت لاستي، فقال: ارجع يا أبا هريرة، فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجهشت بكاء وركبني عمر فإذا هو على أثري، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما لك يا أبا هريرة؟ قلت: لقيت عمر، فأخبرته بالذي بعثتني به فضرب بين ثديي ضربة خررت لاستي، قال: ارجع، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا عمر ما حملك على ما فعلت؟ قال: يا رسول الله بأبي أنت وأمي أبعثت أبا هريرة بنعليك من لقي يشهد أن لا إله إلا الله مستيقنا بها قلبه بشره بالجنة؟ قال: نعم، قال: فلا تفعل فإني أخشى أن يتكل الناس فخلهم يعملون، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فخلهم ـ فكيف للرسول صلى الله عليه وسلم أن يتراجع وهو رسول أمام عمر؟ ألم يكن ذلك الأمر من الله؟ فكيف يتراجع عنه؟ أم أن الله أذن له؟ أم أن ذلك التبشير لم يكن من الله، بل كان من الرسول صلى الله عليه وسلم؟ وإن كان كذلك فكيف عرف الرسول صلى الله عليه وسلم بأنهم من أهل الجنة؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فننبه بداية إلى ما سبق أن ذكرنا من فضل عمر ـ رضي الله عنه وموافقته ـ للوحي في الفتويين رقم: 62984، ورقم: 102220.

ثم إنه ليس فيما ذكر تراجع عن الحكم ولا عن الخبر المبشر به، ولكنه من باب تأخير الإخبار بالحكم مراعاة للمصلحة في ذلك، فقد ذكر أهل العلم أن العالم يجوز له أن يسكت عن ذكر أمر ما إذا خيف من ذكره حصول مفسدة تربو على ذكره، قال ابن القيم في إعلام الموقعين: فمن سئل عن علم فكتمه ألجمه الله يوم القيامة بلجام من نار ـ هذا إذا أمن المفتي غائلة الفتوى، فإن لم يأمن غائلتها وخاف من ترتب شر أكثر من الإمساك عنها، أمسك عنها ترجيحا لدفع أعلى المفسدتين باحتمال أدناهما، وقد أمسك النبي صلى الله عليه وسلم عن نقض الكعبة وإعادتها على قواعد إبراهيم لأجل حدثان عهد قريش بالإسلام، وأن ذلك ربما نفرهم عنه بعد الدخول فيه، وكذلك إن كان عقل السائل لا يحتمل الجواب عما سأل عنه، وخاف المسئول أن يكون فتنة له أمسك عن جوابه. انتهى.

وقد عقد الإمام البخاري في صحيحه: باب: من خص بالعلم قوما دون قوم كراهية أن لا يفهموا ـ وأسند فيه أيضا حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ: من لقي الله لا يشرك به شيئا دخل الجنة، قال: ألا أبشر الناس؟ قال: لا، إني أخاف أن يتكلوا. اهـ.

وأسند تحته قول علي بن أبي طالب رضي الله عنه: حدثوا الناس بما يعرفون، أتحبون أن يكذب الله ورسوله؟.

قال ابن حجر: زاد آدم بن أبي إياس في كتاب العلم .. في آخره: ودعوا ما ينكرون، أي: يشتبه عليهم فهمه.. وفيه دليل على أن المتشابه لا ينبغي أن يذكر عند العامة. انتهـى.

  وقد أشار العباس إلى استثناء الإذخر من التحريم فأقره النبي صلى الله عليه وسلم، كما في الصحيحين وغيرهما عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة: إن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السماوات والأرض فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة، وإنه لم يحل القتال فيه لأحد قبلي ولم يحل لي إلا ساعة من نهار، فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة، لا يعضد شوكه، ولا ينفر صيده، ولا يلتقط لقطته إلا من عرفها، ولا يختلى خلاها، فقال العباس: يا رسول الله إلا الإذخر فإنه لقينهم ولبيوتهم؟ فقال: إلا الإذخر.

وقد ذكر النووي في شرح الحديث: أنه يستنبط منه إشارة بعض الأتباع على المتبوع بما يراه مصلحة، وموافقة المتبوع له إذا رآه مصلحة ورجوعه عما أمر به بسببه. اهـ.

ويدل لاعتبار رأي عمر في هذا وأصوبيته ما روى البخاري عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ: ما من عبد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صدقا من قلبه إلا حرمه الله على النار، قال: يا رسول الله أفلا أخبر به الناس فيستبشروا؟ قال: إذا يتكلوا، وأخبر بها معاذ عند موته تأثما.

وقد ذكر ابن حجر في الفتح: أنه روى البزار بإسناد حسن من حديث أبي سعيد الخدري ـ رضي الله عنه ـ في هذه القصة: أن النبي صلى الله عليه وسلم أذن لمعاذ في التبشير، فلقيه عمر فقال: لا تعجل، ثم دخل فقال: يا نبي الله أنت أفضل رأيا إن الناس إذا سمعوا ذلك اتكلوا عليها فرده ـ قال: وهذا معدود من موافقات عمر، وفيه جواز الاجتهاد بحضرته صلى الله عليه وسلم. اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة