السؤال
أنا شخص مديون بمبالغ كبيرة لعدة أشخاص، إجماليها يصل إلى ما يقارب مليوني ريال سعودي، ولا أملك من الدنيا غير راتبي الذي أتقاضاه من العمـل، والسؤال هو: قرأت الكثير من الفتاوى فوصلت إلى قناعة تامة أنه لا حج لي، ولا صدقة تقبل مني ولا زكاة ولا أضحية، وأنا معسر وتائب إلى الله، وما قرأته يجعلني أشعر بالإحباط، وكأنني ذاهب إلى النار لا محالة ـ لا قدر الله ـ فما العمـل؟ أتمنى أن أحج وأتصدق وأضحي ابتغاء مرضاة الله، فهل انتهت حياتي بالدين هنا؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله العلي القدير أن يفرج عنك الهم ويكشف الكرب ويقضي الدين، فهو على كل شيء قدير، وكل أمر عليه يسير، فالجأ إليه واحتم بجنابه، وأحسن الظن به، فما خاب من رجاه، وقد ضمنا الفتوى: 18784، بعض أدعية قضاء الدين فراجعها.
واعلم أن تحمل الدين جائز لا حرج فيه لمن احتاج له، وكان قادرا على الوفاء أو عازما عليه إن قدر، ولا تأثير للدين على العبادات من حيث الصحة والقبول، إلا أن الفقهاء ناقشوا أثر الدين على العبادة من حيثيات أخرى، منها أن الدين الحال مقدم على نفقة الحج إذا زاحمته، فلا يحج المدين حتى يقضي دينه الحال أو يأذن له الدائن، فإن خالف وحج فحجه صحيح وهو آثم بسبب مخالفته لما يجب عليه من تقديم الدين أو استئذان الدائن، ومنها أن الدين من موانع وجوب الزكاة على تفصيل ذكرناه في الفتوى: 10089.
ومنها أن العلماء اختلفوا في المدين إذا تطوع بصدقة، هل يجوز له ذلك أم يكره أم يحرم؟ على أقوال ذكرناها في الفتوى: 94503.
وأما الأضحية: فاختلف العلماء هل هي واجبة أم سنة مؤكدة، والجمهور على أنها سنة مؤكدة، كما سبق في الفتوى: 6216.
وعلى القول بالوجوب، فإنها لا تجب على غير القادر، لحديث: من وجد سعة ولم يضح فلا يقربن مصلانا. رواه أحمد وابن ماجه والحاكم، وحسنه الألباني.
قال ابن عثيمين بعد أن استظهر القول بالوجوب بشرط القدرة على القول بعدمه: وأما العاجز الذي ليس عنده إلا مؤنة أهله أو المدين، فإنه لا تلزمه الأضحية، بل إن كان عليه دين ينبغي له أن يبدأ بالدين قبل الأضحية. اهـ.
والخلاصة أنه يجب عليك الاجتهاد بقدر استطاعتك في قضاء ديونك، فإن عجزت عن ذلك حتى لاقيت ربك، وعلم الله عز وجل منك الصدق في السعي لقضائها وعجزك عن ذلك، فإن من مقتضى رحمة الله تعالى وعظيم فضله أن لا يؤاخذك بتبعات الدين، وأن يرضي عنك الدائنين يوم القيامة، ففي الحديث: من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه، ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله. رواه البخاري.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: وظاهره يحيل المسألة المشهورة فيمن مات قبل الوفاء بغير تقصير منه كأن يعسر مثلا أو يفجأه الموت وله مال مخبوء وكانت نيته وفاء دينه ولم يوف منه في الدنيا.... الظاهر أنه لا تبعة عليه والحالة هذه في الآخرة، بحيث يؤخذ من حسناته لصاحب الدين، بل يتكفل الله عنه لصاحب الدين. اهـ
وهذا لا يعني أن تتهاون في قضاء ديونك، بل ننصحك بأن تجتهد قدر استطاعتك في رد حقوق الناس إليهم، ولا بأس أن تذكر حالتك لجهات خيرية تعينك في قضاء ديونك، وراجع لمزيد الفائدة الفتاوى التالية: 4062، 7576، 96499.
والله أعلم.