السؤال
ما حكم عمل قرعة من الورق لرؤية ما إن كان سيذهب إلى مكان معين، فإن اختار الورقة التي كتب عليها أمر جيد تفاءل وذهب، وإن كان العكس تشاءم وبقي في المنزل، أو رمي قطعة نقود ثم رؤيتها على أي وجه استقرت للتفاؤل أو التشاؤم بأمر ما، ولعبة تدعى: حجرة.. ورقة.. مقص، أو العد لرقم معين فإن أصاب هذا الرقم مظنة الشخص الآخر يكون قد ربح واستبشر خيرا في أمر معين، وإن لم يصب فقد خسر وتشاءم؟ وهل هذا كله من الطيرة؟ وإن كان من الطيرة فما هي كفارة من فعل ذلك مع أنها مرات كثيرة جدا لا تعد؟ وقد قرأت عدة فتاوى عن الطيرة ولكنكم لم تذكروا شيئا عن هذه الأعمال، فأرجو الإجابة ولكم جزيل الشكر.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن طلب الخيرة عن طريق القرعة أو رمي النقود أو العد كل ذلك محرم، وهو من التطير ومن استقسام أهل الجاهلية الذي جاء الإسلام بالزجر عنه، قال تعالى: حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع إلا ما ذكيتم وما ذبح على النصب وأن تستقسموا بالأزلام ذلكم فسق {المائدة:3}.
قال ابن كثير: وقوله تعالى: وأن تستقسموا بالأزلام ـ أي: حرم عليكم أيها المؤمنون الاستقسام بالأزلام: واحدها: زلم، وقد تفتح الزاي، فيقال: زلم، وقد كانت العرب في جاهليتها يتعاطون ذلك، وهي عبارة عن قداح ثلاثة، على أحدها مكتوب: افعل ـ وعلى الآخر: لا تفعل ـ والثالث ـ غفل ليس عليه شيء، ومن الناس من قال: مكتوب على الواحد: أمرني ربي ـ وعلى الآخر: نهاني ربي ـ والثالث غفل ليس عليه شيء، فإذا أجالها فطلع السهم الآمر فعله، أو الناهي تركه، وإن طلع الفارغ أعاد الاستقسام، والاستقسام مأخوذ من طلب القسم من هذه الأزلام، هكذا قرر ذلك أبو جعفر بن جرير، وقال ابن أبي حاتم: حدثنا الحسن بن محمد بن الصباح، حدثنا الحجاج بن محمد، أخبرنا ابن جريج وعثمان بن عطاء، عن عطاء، عن ابن عباس: وأن تستقسموا بالأزلام ـ قال: والأزلام: قداح كانوا يستقسمون بها في الأمور، وكذا روي عن مجاهد، وإبراهيم النخعي، والحسن البصري، ومقاتل بن حيان، وروى ابن مردويه عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لن يلج الدرجات من تكهن أو استقسم أو رجع من سفر طائرا ـ وقال مجاهد في قوله: وأن تستقسموا بالأزلام ـ قال: هي سهام العرب، وكعاب فارس والروم، كانوا يتقامرون بها، وهذا الذي ذكر عن مجاهد في الأزلام أنها موضوعة للقمار فيه نظر، اللهم إلا أن يقال: إنهم كانوا يستعملونها في الاستخارة تارة، وفي القمار أخرى، والله أعلم، فإن الله سبحانه وتعالى قد فرق بين هذه وبين القمار وهو الميسر، فقال في آخر السورة: يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون {الآيتان:90ـ 91} وهكذا قال هاهنا: وأن تستقسموا بالأزلام ذلكم فسق ـ أي: تعاطيه فسق وغي وضلال وجهالة وشرك، وقد أمر الله المؤمنين إذا ترددوا في أمورهم أن يستخيروه بأن يعبدوه، ثم يسألوه الخيرة في الأمر الذي يريدونه، كما رواه الإمام أحمد والبخاري وأهل السنن، من طرق عن عبد الرحمن بن أبي الموالي، عن محمد بن المنكدر، عن جابر بن عبد الله، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا الاستخارة كما يعلمنا السورة من القرآن، ويقول: إذا هم أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة، ثم ليقل: اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم، فإنك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم، وأنت علام الغيوب، اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر ـ ويسميه باسمه ـ خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري، فاقدره لي ويسره لي وبارك لي فيه، اللهم إن كنت تعلمه شرا لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري، فاصرفني عنه، واصرفه عني، واقدر لي الخير حيث كان، ثم رضني به ـ لفظ أحمد. اهـ. باختصار.
والطيرة شرك؛ كما جاء عن عبد الله بن مسعود، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الطيرة شرك، الطيرة شرك، الطيرة شرك ثلاثا. أخرجه أحمد وأبو داود، وابن حبان في صحيحه.
والطيرة كما عرفها ابن الأثير: هي التشاؤم بالشيء، وهو مصدر تطير، يقال: تطير طيرة، وتخير خيرة، ولم يجئ من المصادر هكذا غيرهما، وأصله فيما يقال: التطير بالسوانح والبوارح من الطير والظباء وغيرهما، وكان ذلك يصدهم عن مقاصدهم، فنفاه الشرع، وأبطله ونهى عنه، وأخبرهم أنه ليس له تأثير في جلب نفع أو دفع ضر. اهـ.
وقال ابن عثيمين: التطير: في اللغة: مصدر تطير، وأصله مأخوذ من الطير، لأن العرب يتشاءمون أو يتفاءلون بالطيور على الطريقة المعروفة عندهم بزجر الطير، ثم ينظر: هل يذهب يمينا أو شمالا أو ما أشبه ذلك، فإن ذهب إلى الجهة التي فيها التيامن، أقدم، أو فيها التشاؤم; أحجم، أما في الاصطلاح، فهي التشاؤم بمرئي أو مسموع، وإن شئت، فقل: التطير: هو التشاؤم بمرئي أو مسموع أو معلوم، بمرئي مثل: لو رأى طيرا فتشاءم لكونه موحشا، أو مسموع مثل: من هم بأمر فسمع أحدا يقول لآخر: يا خسران، أو يا خائب، فيتشاءم، أو معلوم، كالتشاؤم ببعض الأيام أو بعض الشهور أو بعض السنوات، واعلم أن التطير ينافي التوحيد، ووجه منافاته له من وجهين:
الأول: أن المتطير قطع توكله على الله واعتمد على غير الله.
الثاني: أنه تعلق بأمر لا حقيقة له، بل هو وهم وتخييل، فأي رابطة بين هذا الأمر، وبين ما يحصل له، وهذا لا شك أنه يخل بالتوحيد، لأن التوحيد عبادة واستعانة، قال تعالى: إياك نعبد وإياك نستعين ـ وقال تعالى: فاعبده وتوكل عليه. اهـ. باختصار من القول المفيد.
وكفارة الطيرة تكون بالتوبة إلى الله عز وجل، ولمعرفة شروط التوبة راجعي الفتوى رقم: 5450.
وقد جاء في حديث عن عبد الله بن عمرو، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من ردته الطيرة من حاجة، فقد أشرك قالوا: يا رسول الله؛ ما كفارة ذلك؟ قال: أن يقول أحدهم: اللهم لا خير إلا خيرك، ولا طير إلا طيرك، ولا إله غيرك. أخرجه أحمد، وقال الهيثمي: وفيه ابن لهيعة، وحديثه حسن، وفيه ضعف، وبقية رجاله ثقات ـ وصححه أحمد شاكر.
والله أعلم.