كلام أهل العلم في الجمع بين الصلوات لرفع الحرج

1 205

السؤال

ما مدى قوة قول القائلين بأن الجمع بين الصلوات هو جمع صوري، وليس حقيقيا؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

 ففي السؤال نوع غموض، فإن كان المراد أن كل جمع ورد في الشرع - سواء للمسافر، أم غيره - فهو جمع صوري: فهذا خطأ، فقد ثبت الجمع الحقيقي في مثل: الحج، والسفر, وراجع الفتوى رقم: 6846 في أحوال الجمع بين الصلاتين عند الفقهاء.

وإن كان المقصود الجمع الوارد في حديث ابن عباس الذي رواه مسلم قال: جمع رسول الله ‏صلى الله عليه وسلم بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء بالمدينة في غير خوف، ولا مطر، قيل لابن ‏عباس: ماذا أراد بذلك؟ قال: أراد ألا يحرج أمته.

فالقول بأنه جمع صوري فيه قوة؛ قال الشوكاني في نيل الأوطار - في أجوبة العلماء عن ظاهر الحديث -: ومنها أن الجمع المذكور صوري بأن يكون أخر الظهر إلى آخر وقتها، وعجل العصر في أول وقتها، قال النووي: وهذا احتمال ضعيف، أو باطل؛ لأنه مخالف للظاهر مخالفة لا تحتمل.

قال الحافظ: وهذا الذي ضعفه قد استحسنه القرطبي، ورجحه إمام الحرمين، وجزم به من القدماء ابن الماجشون، والطحاوي، وقواه ابن سيد الناس بأن أبا الشعثاء - وهو راوي الحديث عن ابن عباس - قد قال به، قال الحافظ أيضا: ويقوي ما ذكر من الجمع الصوري أن طرق الحديث كلها ليس فيها تعرض لوقت الجمع، فإما أن يحمل على مطلقها، فيستلزم إخراج الصلاة عن وقتها المحدود بغير عذر، وإما أن يحمل على صفة مخصوصة لا تستلزم الإخراج، ويجمع بها بين مفترق الأحاديث، فالجمع الصوري أولى. والله أعلم. اهـ.

ومما يدل على تعيين حمل حديث الباب على الجمع الصوري ما أخرجه النسائي عن ابن عباس بلفظ: صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم الظهر والعصر جميعا، والمغرب والعشاء جميعا، أخر الظهر وعجل العصر، وأخر المغرب وعجل العشاء. فهذا ابن عباس راوي حديث الباب قد صرح بأن ما رواه من الجمع المذكور هو الجمع الصوري.

ومما يؤيد ذلك ما رواه الشيخان عن عمرو بن دينار أنه قال: يا أبا الشعثاء، أظنه أخر الظهر وعجل العصر، وأخر المغرب وعجل العشاء؟ قال: وأنا أظنه، وأبو الشعثاء هو راوي الحديث عن ابن عباس كما تقدم، ومن المؤيدات للحمل على الجمع الصوري ما أخرجه مالك في الموطأ، والبخاري، وأبو داود، والنسائي عن ابن مسعود، قال: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى صلاة لغير ميقاتها إلا صلاتين، جمع بين المغرب والعشاء بالمزدلفة، وصلى الفجر يومئذ قبل ميقاتها. فنفى ابن مسعود مطلق الجمع، وحصره في جمع المزدلفة، مع أنه ممن روى حديث الجمع بالمدينة كما تقدم.

وهو يدل على أن الجمع الواقع بالمدينة صوري، ولو كان جمعا حقيقيا لتعارض روايتاه، والجمع ما أمكن المصير إليه هو الواجب، ومن المؤيدات للحمل على الجمع الصوري أيضا ما أخرجه ابن جرير عن ابن عمر قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان يؤخر الظهر، ويعجل العصر، فيجمع بينهما، ويؤخر المغرب، ويعجل العشاء، فيجمع بينهما وهذا هو الجمع الصوري، وابن عمر هو ممن روى جمعه صلى الله عليه وسلم بالمدينة، كما أخرج ذلك عبد الرزاق عنه.

وهذه الروايات معينة لما هو المراد بلفظ: جمع؛ لما تقرر في الأصول من أن لفظ: " جمع بين الظهر والعصر " لا يعم وقتها، كما في مختصر المنتهى، وشروحه، والغاية، وشرحها، وسائر كتب الأصول، بل مدلوله لغة الهيئة الاجتماعية، وهي موجودة في جمع التقديم والتأخير، والجمع الصوري، إلا أنه لا يتناول جميعها، ولا اثنين منها؛ إذ الفعل المثبت لا يكون عاما في أقسامه، كما صرح بذلك أئمة الأصول، فلا يتعين واحد من صور الجمع المذكور إلا بدليل، وقد قام الدليل على أن الجمع المذكور في الباب هو الجمع الصوري، فوجب المصير إلى ذلك ... اهـ.

 والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة