السؤال
ما حكم الجرح بقلة الكلام في التوحيد، مع العلم أن العقيدة سليمة؟.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الدعوة إلى التوحيد والكلام عنه والتحذير مما يناقضه هو آكد الأمور التي يجب اعتناء الدعاة بها، فإن الدعاة إلى الله إنما يسيرون على خطى الأنبياء والمرسلين، والدعوة إلى التوحيد هي لب حقيقة دعوة جميع الأنبياء، فعلى العلماء والدعاة القيام بتوعية المجتمعات، وتبصيرها بمسائل العقيدة، وأن يتعاونوا على نشر التوحيد وتصحيح العقيدة في نفوس المجتمعات، وعلى جميع أفراد الأمة أن يحرصوا على التفقه في أمور التوحيد، ويبتعدوا عن كل ما يخل به، وأن يكثروا من الدعاء الذي أرشد النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر إليه، حيث قال له: والذي نفسي؛ بيده للشرك أخفى من دبيب النمل، ألا أدلك على شيء إذا قلته ذهب عنك قليله وكثيره، قل: اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم، وأستغفرك لما لا أعلم. رواه البخاري في الأدب المفرد، وصححه الألباني.
ومن أهم ما يعين على هذا اشتغال الناس بتعلم وتعليم القرآن والسنة النبوية وسير الأنبياء السابقين، فإن أكثر حديث القرآن إنما هو في الحديث عن الله تعالى وتوحيده وأوامره ووعده ووعيده، وقد قال ابن القيم: وهذا القرآن المجيد عمدته ومقصوده الإخبار عن صفات الرب سبحانه، وأسمائه، وأفعاله، وأنواع حمده، والثناء عليه، والإنباء عن عظمته، وعزته، وحكمته، وأنواع صنعه، والتقدم إلى عباده بأمره ونهيه على ألسنة رسله. اهـ.
وأساس دعوة الأنبياء هو تعريف الخلق بربهم بذكر أسمائه، وصفاته، وأفعاله وأوامره ونواهيه ووعده ووعيده؛ كما قال ابن القيم: فأساس دعوة الرسل صلوات الله وسلامه عليهم، معرفة الله سبحانه بأسمائه، وصفاته، وأفعاله، ثم يتبع ذلك أصلان عظيمان:
أحدهما: تعريف الطريق الموصلة إليه، وهي شريعته المتضمنة لأمره ونهيه.
الثاني: تعريف السالكين ما لهم بعد الوصول إليه من النعيم الذي لا ينفد، وقرة العين التي لا تنقطع.
وهذان الأصلان تابعان للأصل الأول ومبنيان عليه، فأعرف الناس بالله أتبعهم للطريق الموصل إليه، وأعرفهم بحال السالكين عند القدوم عليه. اهـ.
وأما تجريح الناس المعروفين بسلامة المعتقد بسبب الإقلال من الكلام في التوحيد: فلا يجوز قبل التناصح والتحاور معهم ويسمع منهم، فقد يكونون من المهتمين بالتوحيد ولم يطلع المجرح على حالهم، وقد يكون عندهم نظر في خطتهم الدعوية يقتضيه واقعهم، والأصل سلامة المسلم، وبقاؤه على عدالته، حتى يتحقق زوال ذلك عنه بمقتضى الدليل الشرعي، ولا يجوز التساهل في تجريحه بالتقصير ولا حرمان العوام مما عنده من الخير، حتى يتناصح معه وتنتفي عنه موانع الجهل والإكراه والتأويل، فقد قال ابن القيم في إعلام الموقعين: ومن له علم بالشرع والواقع، يعلم قطعا أن الرجل الجليل الذي له في الإسلام قدم صالح, وآثار حسنة, وهو من الإسلام وأهله بمكان, قد تكون منه الهفوة والزلة هو فيها معذور, بل ومأجور لاجتهاده، فلا يجوز أن يتبع فيها، ولا يجوز أن تهدر مكانته وإمامته ومنزلته من قلوب المسلمين. اهـ.
والله أعلم.