السؤال
كيف برر الرسول صلى الله عليه وسلم لزوجاته حبه الزائد للسيدة عائشة رضي الله عنها؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهنالك بعض الحقائق ينبغي أن تعلم، ومنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان حريصا على العدل بين زوجاته، كما كان يحرص على العدل بين الناس جميعا، فهو القائل صلى الله عليه وسلم: من يعدل إذا لم أعدل. رواه البخاري من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه. وهذه حقيقة أولى.
الحقيقة الثانية: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يحب عائشة أكثر من حبه لغيرها، بل هي أحب الناس إليه؛ وعن عمرو بن العاص- رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه على جيش ذات السلاسل فأتيته فقلت: من أحب الناس إليك؟ قال: عائشة، فقلت: ثم من الرجال؟ قال أبوها، قلت: ثم من؟ قال: عمر، فعد رجالا. متفق عليه.
الحقيقة الثالثة: أن المحبة القلبية لا تتنافى مع العدل؛ لأن أمر القلوب لا يملكه إلا علام الغيوب. فالعدل الواجب هو في الأمور الظاهرة؛ وهي في المبيت والنفقة والكسوة والمسكن.... أما الميل القلبي الذي لا دخل للإنسان فيه فهذا غير مؤاخذ به شرعا ولكن لا يجوز له أن يميل بقلبه ويحب واحدة كل الحب دون الأخرى حتى يؤثر ذلك على تعامله معها، ولهذا قال الله تعالى: فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة [النساء:129]. وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقسم بين نسائه فيعدل ويقول: اللهم هذا قسمي في ما أملك، فلا تلمني في ما تملك ولا أملك. رواه أبو داود، وقد كان صلى الله عليه وسلم حريصا على العدل بينهن في ذلك حتى إنه كان إذا خرج في سفر أقرع بينهن؛ جاء في الصحيحين أن عائشة -رضي الله عنها- زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يخرج سفرا أقرع بين نسائه، فأيتهن خرج سهمها، خرج بها رسول الله صلى الله عليه وسلم معه.
وقد روى البخاري ومسلم عن عائشة -رضي الله عنها- أن نساء النبي صلى الله عليه وسلم يناشدنه العدل في ابنة أبي قحافة. قال الحافظ ابن حجر: والمراد به التسوية بينهن في كل شيء من المحبة وغيرها. وهن إنما قلن ذلك لكون الصحابة كانوا يحبون أن يهدوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في بيت عائشة رضي الله عنها، وكان جوابه صلى الله عليه وسلم أنه يحبها. وهذا يفهم منه أحد شيئين:
الأول: أن له إيثارها بما شاء بعد العدل. قال الحافظ ابن حجر وهو يبين بعض فوائد الحديث: وفي هذا الحديث منقبة ظاهرة لعائشة، وأنه لا حرج على المرء في إيثار بعض نسائه بالتحف، وإنما اللازم العدل في المبيت، والنفقة ونحو ذلك من الأمور اللازمة. كذا قرره ابن بطال عن المهلب. اهـ.
الثاني: أن الصحابة هم الذين فعلوا؛ لعلمهم حبه صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها، ولم يفعله هو. وقد قال الحافظ بعد كلام المهلب السابق: وتعقبه ابن المنير بأن النبي صلى الله عليه و سلم لم يفعل ذلك، وإنما فعله الذين أهدوا له، وهم باختيارهم في ذلك، وإنما لم يمنعهم النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه ليس من كمال الأخلاق أن يتعرض الرجل إلى الناس بمثل ذلك؛ لما فيه من التعرض لطلب الهدية. اهـ
والله أعلم.