الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يحل للمسلم أن يدخل في معاملة لا يعلم حلها من حرمتها، وقد كان عمر ـ رضي الله عنه ـ يطوف في السوق ويقول: لا يبع في سوقنا إلا من يفقه.
أما عن المضاربة المذكورة: فلم تتضح بما فيه الكفاية، لكن إذا كان الربح في المضاربة نسبة من رأس المال، فإنها مضاربة فاسدة، لأن شرط المضاربة الصحيحة أن يكون الربح نسبة من الأرباح لا من رأس المال، وحيث إن رأس مال المضاربة معلوم، فإن النسبة منه معلومة، سواء كانت ثابتة (10%) أم اتفقا على تغييرها، فهذا مبلغ معلوم مقطوع فلا تصح المضاربة باشتراطه.
قال الموفق في المغني: وجملته أنه متى جعل نصيب أحد الشركاء دراهم معلومة، أو جعل مع نصيبه دراهم، مثل أن يشترط لنفسه جزءا وعشرة دراهم، بطلت الشركة. اهـ
قال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على إبطال القراض إذا شرط أحدهما أو كلاهما لنفسه دراهم معلومة وممن حفظنا ذلك عنه مالك والأوزاعي والشافعي، وأبو ثور وأصحاب الرأي. اهـ
وانظر في تقرير هذا الحكم ومزيد بيان له الفتاوى التالية أرقامها: 177295، 211363، 161621.
فهذه مضاربة فاسدة يجب أن تفسخ، وإن أرادوا بعد ذلك إنشاء مضاربة صحيحة فيعاد العقد بصيغة صحيحة تكون حصة الطرفين نسبة من الأرباح دون ضمان من المضارب ما لم يفرط أو يعتدي، مع مراعاة سائر شروط صحة المضاربة التي سبق وبيناها مفصلة في الفتاوى التالية أرقامها: 206356، 1873، 63918، 72143، 72779.
وحكم المضاربة الفاسدة إن حصلت أن الأرباح تكون خالصة لمالك رأس المال ـ الوالدين ـ وللعامل أجرة المثل أو قراض المثل خلاف بين أهل العلم، قال ابن عاصم الغرناطي في التحفة:
وأجر مثل أو قراض مثل لعامل عند فساد الأصل.
وانظر لمزيد معرفة عن أحكام المضاربة الفاسدة الفتويين رقم: 78071، ورقم: 170655، وما أحيل عليه فيهما.
فإذا تقرر ذلك عرفت أن الأرباح التي تعطى لوالديك من المضاربة الفاسدة في نهاية السنة فضلا عن رأس المال ليست من الحرام، فلا نرى مسوغا للتعفف عن هذا المال إن كان الأمر كما ذكرت، سواء في ذلك رأسه وأرباحه، وأما بيان الحكم الشرعي للوالد فواجب إن لم يبينه سواك، لأنه من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، جاء في الموسوعة الفقهية: أجمع الفقهاء على أن للولد الاحتساب عليهما، لأن النصوص الواردة في الأمر والنهي مطلقة تشمل الوالدين وغيرهما، ولأن الأمر والنهي لمنفعة المأمور والمنهي، والأب والأم أحق أن يوصل الولد إليهما المنفعة. اهـ
وأما أسلوب الإنكار مع الوالدين: ففيه تفصيل بينه أهل العلم، ففي الموسوعة الفقهية: ولكن لا يتجاوز مرتبتي التعرف والتعريف. اهـ
قال صاحب نصاب الاحتساب: السنة في أمر الوالدين بالمعروف أن يأمرهما به مرة، فإن قبلا فبها، وإن كرها سكت عنهما واشتغل بالدعاء والاستغفار لهما، فإنه تعالى يكفيه ما يهمه من أمرهما. اهـ
ويسلك في ذلك سبيل اللطف والرفق واللين، قال صاحب معالم القربة في طلب الحسبة في صفات المحتسب: وليكن شيمته الرفق، ولين القول، وطلاقة الوجه، وسهولة الأخلاق عند أمره الناس، ونهيه، فإن ذلك أبلغ في استمالة القلوب وحصول المقصود، قال الله تبارك وتعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك { آل عمران: 159} ولأن الإغلاظ في الزجر ربما أغرى بالمعصية، والتعنيف بالموعظة ينفر القلوب. اهـ
هذا مع العامة، فكيف مع أخص الخاصة وأحق الناس بحسن الصحبة.
والله أعلم.