تجمل المرأة للخطاب هل يعتبر من الأسباب المطلوب الأخذ بها

0 317

السؤال

لقد عرفت وقرأت بعض الفتاوى في هذا الموقع عن القضاء والقدر، وهل الإنسان مخير أم مسير؟ وفهمت المعنى - ولله الحمد - وبالنسبة لأمر الزواج أيضا عرفت أن الإنسان يأخذ بالأسباب؛ كي يتم الزواج، أي يأخذ بالأسباب التي هي من قدر الله عز وجل؛ لكي يحدث الزواج الذي هو من قدر الله أيضا، فإذا تقدم شاب لفتاة، وفي يوم الرؤية الشرعية تفكر بعض البنات، ويقلن: إذا وضعت مكياجا خفيفا جدا، وكحلا، وبالضوابط الشرعية، فلا بأس في ذلك، فهذا سبب من الأسباب التي يتم بها القبول، والواحدة من هؤلاء إذا لم تضعه، ولم يحدث نصيب تقول: "لو كنت قد وضعته لحدث نصيب، فأنا لم آخذ بسبب من الأسباب الهامة لإتمام القبول" وأخريات يقلن: "أخاف أن يكون الشخص المتقدم كل همه الجمال الشكلي فقط، ولا ينظر إلى الجوانب الأخرى، بقدر ما ينظر إلى الجمال الشكلي" ويقررن عدم وضع المكياج، ولا الكحل، ولا أي شيء في وجوههن، ويفضلن عدم وضع أي شيء؛ خوفا من الشخص المتقدم؛ لكي تكون وجوههن على طبيعتها بالضبط، وبما أن المكياج سبب، فمن الممكن أن يتم به القبول، فإذا لم يضعنه ألا يعتبرن بذلك غير آخذات بأسباب القبول؟ أنا أتكلم عن المكياج الخفيف جدا، ألا يعتبر سببا، وأليس الأفضل للفتيات الأخذ به، وعدم تركه لإتمام القبول، حتى لو تم وضعه في المرة الأولى فقط من الرؤية الشرعية، أم أن هذا ليس سببا يقاس عليه القبول في الرؤية الشرعية من عدمه؟
أريد أن أعرف: هل يعتبر المكياج الخفيف الذي يجعل الوجه جميلا سببا من الأسباب التي يتم الأخذ بها، والتي تكون من قدر الله عز وجل، والتي إن فعلناها حدث لنا القدر الآخر، وهو حصول القبول وإتمام الزواج - جزاكم الله خير الجزاء على هذا الموقع الرائع حقا -؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

 فإن الأسباب يعلم أنها أسباب إما عن طريق القدر: بأن يعلم ذلك بالتجربة، ونحوها، وإما عن طريق الشرع شرعا: بأن يرد في الشرع أن هذا الأمر سبب.

والسبب الكوني: قد يكون مباحا، وقد يكون محرما، فليس كل سبب لحصول المقدور يكون مباحا، فالغش -مثلا- سبب للكسب، لكنه سبب محرم غير مشروع، قال ابن عثيمين: وطريق العلم بأن الشيء سبب:
إما عن طريق الشرع؛ وذلك كالعسل: {فيه شفاء للناس}، وكقراءة القرآن فيها شفاء للناس، قال الله تعالى: {وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين}، وإما عن طريق القدر، كما إذا جربنا هذا الشيء فوجدناه نافعا في هذا الألم، أو المرض. اهـ . 

ووضع المخطوبة للمكياج هو من الأسباب الكونية لقبول الخاطب، وأما حكمه في الشرع: فقد سبق أن بينا أن اليسير منه مباح، كما في الفتوى رقم: 56946.

لكن ليس كل ترك للسبب يكون عجزا مذموما، وإنما المذموم هو ترك الأسباب بالكلية بحجة التوكل، قال ابن تيمية: قال طائفة من العلماء: الالتفات إلى الأسباب شرك في التوحيد، ومحو الأسباب أن تكون أسبابا نقص في العقل، والإعراض عن الأسباب بالكلية قدح في الشرع، وإنما التوكل المأمور به ما يجتمع فيه مقتضي التوحيد، والعقل. اهـ.

وقال ابن القيمللتوكل ثلاث علل: إحداها: أن يترك ما أمر به من الأسباب استغناء بالتوكل عنها، فهذا توكل عجز، وتفريط، وإضاعة، لا توكل عبودية، وتوحيد، كمن يترك الأعمال التي هي سبب النجاة، ويتوكل في حصولها، ويترك القيام بأسباب الرزق - من العمل، والحراثة، والتجارة، ونحوها - ويتوكل في حصوله، ويترك طلب العلم، ويتوكل في حصوله، فهذا توكله عجز، وتفريط، كما قال بعض السلف: لا تكن ممن يجعل توكله عجزا، وعجزه توكلا. اهـ.

فالمخطوبة التي لا تضع المكياج ليراها الخاطب على خلقتها الطبيعية ليست مذمومة على ذلك البتة، وليس ذلك من العجز المذموم، وانظري للفائدة الفتوى رقم: 44824.

وننبهك إلى أن قول الواحدة: " لو كنت قد وضعته لحدث نصيب" فيه خطأ ينبغي الحذر منه، فعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير، احرص على ما ينفعك، واستعن بالله، ولا تعجز، وإن أصابك شيء، فلا تقل: لو أني فعلت كان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان. أخرجه مسلم. 

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة