السؤال
من هم الأصوليون؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فننقل للسائل ما كتبه العلامة بكر بن عبد الله أبو زيد - حفظه الله - في تعريف الأصولية من كتابه القيم "معجم المناهي اللفظية" ، وفي ذلك الكفاية وزيادة :
أصولي: من الجاري في مصطلحات العلوم الشرعية: أصول الدين، ويقال: الأصل، ويقصد به: علم التوحيد. ومنها: أصول التفسير، أصول الحديث، أصول الفقه . وإلى هذا اشتهرت النسبة للمبرز فيه بلفظ: الأصولي . وعنهم ألف المراغي كتابه "طبقات الأصوليين".
لكن في أعقاب اليقظة الإسلامية في عصرنا، وعودة الناس إلى الأخذ بأسباب التقوى والإيمان، والتخلص من أسباب الفسوق والعصيان، ابتدر أعداء الملة الإسلامية هذه العودة الإيمانية، فأخذوا يحاصرونها ويجهزون عليها بمجموعة من ضروب الحصار، والتشويه، وتخويف الحكومات منهم ومن نفوذهم، وفي قالب آخر تحسين المذاهب المعادية للإسلام، وعرضها بأحسن صورة- زعموا، وكان من هذه الكبكبة الفاجرة في الإجهاز على العودة الراشدة إلى الإسلام صافيا: جلب مجموعة من المصطلحات المولودة في أرض الكفر، تحمل مفاهيم سيئة إلى حد بعيد، وكان منها هذا اللقب "الأصولية"، النسبة إليها: "أصولي".
التزمت . التطرف.
والذي يعنينا هنا هو هذا اللقب، الذي صار له من الشيوع والولوع بذكره الأمر العجيب، حتى في بني جلدتنا، فكأنهم مرصدون لتبني نفثات العداء، وإشاعتها بين المسلمين، ونقول: الله أكبر: إنها السنن، فكما كان أهل الأهواء يطلقون مجموعة ألقاب نكراء على أهل السنة، للتنقص منهم، والوقيعة فيهم، والتنفير منهم، والسخرية بهم، مثل: حشوية، مشبهة، مجسمة.
فتؤول النوبة اليوم إلى المبتدعة الجدد في بدعهم الكلامية الجديدة، وهي أشد مكرا من سوابقها. والحمد لله الذي خذلهم جميعا، وبقي الحق على الإسلام والسنة، لم تؤثر فيه تلك الأهواء الطاغية، والمقولات الفاسدة الفاجرة .
وعليه: فهذا اللقب "أصولي" أصيل في مبناه، طري في معناه، بل فاسد تسربل هذا المبنى، حتى يسهل احتضانه، والارتماء في حبائله، فهذه الياء "ياء النسبة" وأصل الشيء: قاعدته وجوهره.
لكن ماذا تحمل من معنى في محلها الذي ولدت في: "أمريكا" ؟ إنها تعني : ديانة نصرانية كهنوتية ترفض كل مظهر من مظاهر الحياة وتراه خروجا على الدين.
ولهذا فإن النصارى - ومن في ركابهم من أمم الكفر في عدائهم العريق لملة الإسلام - سحبوا هذا اللقب على كل مسلم مرتبط بدينه الإسلام: قولا وعملا، واعتقادا، فسربلوه بهذا اللقب "أصولي" وما يتبناه هو " الأصولية" .
وهي تلتقي تماما مع ما كان يقال بالأمس: "رجعية" و"رجعي" ، لكن هذا اللقب "رجعي" فيه قدح ظاهر، أما "أصولي" فهو قدح مبطن .
ولهذا فكم رأينا من أغمار استملحوه فأطلقوه، وامتحنوا الأمة به .
ثم أوجد الحداثيون في عصرنا ألقابا أخرى في هذا المعنى لمن تمسك بالإسلام منها: "الماضوية" نسبة إلى الماضي ، "التاريخانية" نسبة إلى التاريخ القديم في الزمان الغابر ، " الأممية" نسبة إلى الرجوع إلى أمة واحدة والواجب في نظرهم: الخلط بين الناس من غير اعتبار دين يفرق بينهم .
وفي مقدمة الأستاذ/ عبد الوارث سعيد، لترجمة كتاب: " الأصولية"(ص/12) قال: في معرض كشفه لعدد من سلبيات كتابات الغربيين عن الإسلام (تقديم الصحوة الإسلامية من خلال مجموعة من المصطلحات التي ولدت في بيئة الغرب وحملت بمعان ومفاهيم متأثرة بتجارب الغرب، وقيمه، ونظرته للدين، والحياة، مثل: أصولية، والخلاص، والعهد السعيد، واليمين واليسار، والرجعية، والتقدمية، والحداثة، والرادكالية، والنضالية، والتحررية، والإحياء، والإصلاح، والانبعاث، وغيرها.
وخير مثال على خطورة تبني هذه المصطلحات، دون إعادة تحديد مدلولاتها، مصطلح : " الأصولية" ؛ إذ يعني في بيئته الأصلية: فرقة من البروتستنت، تؤمن بالعصمة الحرفية لكل كلمة في: "الكتاب المقدس" يدعي أفرادها التلقي المباشر عن الله، ويعادون العقل، والتفكير العلمي، ويميلون إلى استخدام القوة، والعنف؛ لفرض هذه المعتقدات الفاسدة. انتهى .
وقال شيخنا الشيخ عبد العزيز بن باز - أثابه الله تعالى-: مما يلاحظ في هذه الأعوام - أي: 1412هـ وما بعده - بشكل خاص أن كثيرا من وكالات الأنباء العالمية التي تخدم مخططات أعداء الإسلام، وتخضع لمراكز التوجيه النصراني، والماسوني، تخطط بأسلوب ماكر؛ لإثارة العالم كله ضد ما يسمونه: "الاصوليين" ، وهم يقصدون بذلك الذم والقدح في المسلمين المتمسكين بالإسلام على أصوله الصحيحة، الذين يرفضون مسايرة الأهواء، والتقارب بين الثقافات والأديان الباطلة.
وقد وقع بعض الإعلاميين المسلمين في مصيدة الأعداء، وأخذوا ينقلون تلك الأخبار المعادية للإسلام، وأصبحوا يتداولونها عن جهل بمقاصد أصحابها، أو غرض في نفوس بعضهم، فكانوا بفعلهم هذا، أعوانا للأعداء على الإسلام والمسلين، بدلا من قيامهم بواجب التصدي لأعداء الإسلام، وإبطال كيدهم، ببيان أهمية الرابطة الدينية والأخوة الإسلامية من الشعوب الإسلامية، وأن الأخطاء الفردية التي لا يسلم منها أحد، لا ينبغي أن تكون مبررا للتشنيع على الإسلام والمسلمين، والتفريق بينهم. انتهى
وقد كنت كتبت فتوى عن حكم إطلاق هذا اللفظ واستعماله، هذا نصها: الأصولية: الأصولية .. الراديكالية.. النضالية.. الخلاص.. العهد السعيد.. جميعها ، وأمثال لها من " الألقاب الدينية" مصطلحات أجنبية تولدت حديثا في العالم الغربي، أوصافا للكهنوتيين المتشددين .
فإذا أخذنا هذا المصطلح الأصولية نجد حقيقته كما يلي: أنه - يعني في بيئته الأصلية - العالم الغربي - فرقة من البروتستنت تؤمن بالعصمة لأفرادها الذي يدعون تلقيهم عن الله مباشرة، ويعادون العقل، والفكر العلمي، ويميلون إلى استخدام القوة والعنف في سبيل هذا المعتقد الفاسد. فمصطلح الأصولية، وما في معناه هو إذا: لإيجاد جو كبير من الرعب والتخوف من الدين، ومقاومة من يدعو إليه، في أي ديانة كانت. انتهى.
والله أعلم.