السؤال
هل يجوز لجماعة التبليغ الاستدلال بقاعدة: الوسائل لها حكم المقاصد، في مفهوم الخروج في سبيل الله عندهم، بحجة أنهم عندما يخرجون يوفرون البيئة للعبادة؟
هل يجوز لجماعة التبليغ الاستدلال بقاعدة: الوسائل لها حكم المقاصد، في مفهوم الخروج في سبيل الله عندهم، بحجة أنهم عندما يخرجون يوفرون البيئة للعبادة؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن القاعدة المذكورة، من القواعد المقررة في الفقه عند أهل العلم، ويعبر عنها بعضهم بقوله: "وسيلة الشيء تأخذ حكمه" فكل ما يتوصل به إلى الحرام، فهو حرام ـ وإن كان في الأصل حلالا ـ وكل ما لا يتم الواجب إلا به، فهو واجب، وكذلك بقية الأحكام الخمسة، والوسيلة التي يحصل بها المستحب، مستحبة، وإن كانت في أصلها مباحة، ومن أمثلة ذلك: أن الأصل في السفر، أو البيع ـ مثلا ـ الجواز، ولكنهما إذا كانا وسيلة إلى الحرام، كانا حراما، وكذلك إذا كانا وسيلة إلى الواجب، فهما واجبان.
قال العلامة الشيخ سيدي عبد الله الشنقيطي في مراقي السعود:
سد الذرائع على المحرم * حتم، كفتحها إلى المنحتم
وقال في نشر البنود: وكذلك يجب فتح الذريعة إلى الواجب، ويندب فتحها إلى المندوب، ويكره إلى المكروه، ويباح إلى المباح، كما أشار له بقوله:
وبالكراهة وندب وردا * .....
وقال الشيخ السعدي ـ رحمه الله -: الوسائل لها أحكام المقاصد، فما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وما لا يتم المسنون إلا به فهو مسنون. اهـ.
وبناء عليه، فإن كان الخروج، والصحبة الصالحة، وتغيير البيئة، يعين العبد على أداء ما أمر به الشرع من الاستقامة على الطاعة، والقيام ببعض أعمال الدعوة، فهو أمر محمود، وينبغي للعبد أن لا تقتصر نيته وهمته على مجرد تغيير البيئة، بل ينوي مع ذلك الحرص على نشر الخير، وهداية المجتمع، وتوظيف طاقات، وأوقات من يلقاهم في الدعوة إلى الله تعالى. ولا شك أن تغيير البيئة مهم، ومطلب شرعي؛ فقد ندب الشرع إلى صحبة، ومجالسة الرفقة الصالحة، والرتع في مجالس الذكر, وإلى تجنب رفقاء السوء وأماكنه؛ قال تعالى: واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا {الكهف: 28}.
وفي الصحيحين وغيرهما عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم: أن رجلا قتل تسعة وتسعين رجلا، ثم سأل عن أعلم أهل الأرض، فدل عليه، فسأله: هل من توبة؟ فقال: أبعد تسعة وتسعين تكون لك توبة، فقتله، فكمل به مائة، ثم مكث ما شاء الله، ثم سأل عن أعلم أهل الأرض، فدل عليه, فسأله هل لي من توبة؟ قال: ومن يحول بينك وبين التوبة، ولكن ائت قرية كذا، فإن فيها قوما صالحين، فاعبد الله معهم، فأدركه الموت في الطريق، فاختصمت فيه ملائكة الرحمة، وملائكة العذاب; فبعث الله ملكا يحكم بينهم، فأمر أن يقاس، فإلى أي القريتين كان أقرب ألحق به، فوجدوه أقرب إلى القرية الصالحة، فغفر الله له.
فهذا الحديث يفيد أهمية الصحبة الصالحة التي تدل على الخير، وتعين عليه، والتي هي من أعظم أسباب الثبات على دين الله؛ فإن الشيطان مع الواحد، وهو من الاثنين أبعد، وإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية، ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم حريصا على أن يجتمع إخوانه، وهو معهم، حتى في أشد مراحل الدعوة ضيقا، وهي المرحلة المكية، فكانوا يجتمعون على الخير في دار الأرقم، وكانوا يصلون جماعة في الشعب، كل ذلك في الوقت الذي كانت قريش تحصي سكناتهم وحركاتهم، وترقب من آمن مع محمد صلى الله عليه وسلم.
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين: هل تعتبر وسائل الدعوة إلى الله عز وجل وسائل توقيفية؟ بمعنى أنه لا يجوز الاستفادة من الوسائل الحديثة في الدعوة، كوسائل الإعلام، وغيرها، وإنما ينبغي الاقتصار على الوسائل التي استخدمت في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم.
فأجاب ـ رحمه الله ـ : يجب أن نعرف قاعدة، وهي أن الوسائل بحسب المقاصد، كما هو مقرر عند أهل العلم: أن الوسيلة لها أحكام المقصد ما لم تكن هذه الوسيلة محرمة، فإن كانت محرمة فلا خير فيها، وأما إذا كانت مباحة، وكانت توصل إلى ثمرة مقصودة شرعا، فإنه لا بأس بها ... اهـ.
والله أعلم.