لا أريد زيارة جدي وأعمامي بسبب ظلمهم لنا، فهل أعتبر قاطعًا للرحم؟

0 261

السؤال

أشكركم على جهودكم المبذولة في هذا الموقع الرائع، الذي قمت بالاستفادة منه بشكل كبير، في أمور ديني، ودنياي، فبارك الله لكم، وسدد بالخير والعطاء دربكم، وعفر ذنوبكم، ورفعكم درجات في جنة الخلد، وحشركم في زمرة الحبيب المصطفى عليه الصلاة والسلام، أما بعد: قصتي طويلة، ولكن سأقوم باختصارها قدر ما أستطيع: كان لجدي بيتان: الأول قام أبي بإكمال بنائه من تعبه، وعرق جبينه، ولم يقم بتسجيله باسمه ثقة بوالده، ولكنه تم طرده منه إلى البيت الثاني، وقام جدي بتسجيل هذا البيت لعمي الصغير، ثم قام أعمامي، وجدي بالتهجم على أبي في البيت الثاني، وتسبب ذلك في غيبوبته، والذهاب به إلى المستشفى، ولا زالت الأحداث في مخيلتي، ثم بعد ذلك تم طرده من البيت الثاني، وقام أبي باستئجار بيت آخر، وصاحب البيت الجديد قرر إضافة مبلغ عالي للإيجار، وتم التأخر عن استلام الأجرة عمدا، وقدم لوالدي إنذارا مما أدى إلى الذهاب إلى المحاكم، وربح القضية عن طريق التزوير، وتم دفع تكاليف القضية من قبل والدي، ثم قمنا باستئجار بيت جديد في المدينة، ولا زلنا نسكن فيه، وتم منح جدي 70 ألف دينار أردني، ولقد تم سرقته من قبل أعمامي، وعماتي غير المتزوجات، وتم بناء بيت جديد بحجة أنه لعماتي، وقام أحدهم بشراء سيارة بمقدار 17 ألف، وقام بتسجيلها باسمه، وقال: إن هذه السيارة لجميع الإخوة، ولم يحصل والدي على شيء، وتم إهانة أمي وأبي كثيرا، وقد تم حرماني أنا وإخوتي من مقعد الدراسة في الجامعة عن طريق المنحة، ويتم اكتساب هذه المنحة عند دراسة عدد من السنوات في مدارس القرى فقط، ونحن نسكن في مدينة، لذلك تم استثناؤنا، وتم حرماننا من كل شيء بسببهم، وأنا لا زلت أدعو عليهم عندما أستيقظ بالليل فجأة، وأقوم بقراءة: "حدثني عبادة بن الصامت، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من تعار من الليل فقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، الحمد لله، وسبحان الله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله. ثم قال: اللهم اغفر لي، أو دعا، استجيب له، فإن توضأ وصلى، قبلت صلاته" وأدعو عليهم، وفي صلاة الفجر أيضا لما رأيت فيهم من ظلم، وجدي الآن ليس في وعيه، ولا زالوا يأكلون حق أبي، ويتصرفون بماله كما يريدون، وأبي لا يريد أن يقوم بالحجر، فهو بار بوالده رغم ما فعله به، ولا زلنا نذهب إليهم أنا وأبي في الأعياد، وشهر رمضان المبارك، لكن في قلبي حزنا، وألما لما فعلوه بنا، وأنا الآن أبكي عندما أقوم بكتابة هذه الكلمات، فإنهم ظالمون، منهم من جازاه الله في الدينا، فقد تم سرقة مبلغ هائل منه، وفشلت وخسرت جميع مشاريعه؛ لأن المال الحرام لا يدوم، ومع ذلك لا يتعظ بما جازاه الله به، ولا زال يأكل حق أبي، وقد أطلت عليكم، لكن هناك أمورا كثيرة من الأمور التي فعلوها بنا لا أريد التحدث بها؛ لكيلا أطيل أكثر، سؤالي هو: لا أريد الذهاب إليهم بسبب ما سببوه لي من ألم، وحزن، فهل أنا آثم وأعتبر قاطعا للرحم؟ وقد طرحت سؤالا؛ لأني أخاف الله عز وجل، وقرأت جميع أحاديث المصطفى عليه الصلاة والسلام حول قاطع الرحم، لكن في قلبي عدم محبة وكراهية، وأنا لا أطيقهم، ولا أرتاح عندما أذهب إليهم، فكيف أذهب إليهم، وجميع المصائب التي عانينا منها، والتي لا زلنا نعاني منها الآن، بسببهم!؟ جزاكم الله كل خير.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

 فإن شيمة المسلم، وخلقه: الحرص على التواصل مع أقاربه، والصبر على ما يلقاه منهم، ومن صبر على أذاهم، ودفع أذاهم بالحسنى، سيسلمه الله من شرهم، ويحفظه من كيدهم، وأعظم من ذلك أنه ينال معية الله؛ ففي حديث مسلم: أن رجلا قال: يا رسول الله، إن لي قرابة أصلهم، ويقطعونني، وأحسن إليهم، ويسيئون إلي، وأحلم عنهم، ويجهلون علي، فقال: لئن كنت كما قلت، فكأنما تسفهم المل، ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك. وقال تعالى: ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم * وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم {فصلت:34، 35}. وقال تعالى: وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا إن الله بما يعملون محيط {آل عمران:120}.
قال شيخ الإسلام - رحمه الله -: فمن اتقى الله من هؤلاء، وغيرهم، بصدق، وعدل، ولم يتعد حدود الله، وصبر على أذى الآخر وظلمه، لم يضره كيد الآخر، بل ينصره الله عليه. انتهى.

وفي خصوص ما فعلته من الدعاء عليهم، فهو مباح لك بشرط ألا تتعدى، بأن لا تزيد في الدعاء عليهم على قدر مظلمتهم لك، ولأهلك، إلا أن يكون فيمن دعوت عليهم جدك، فلا يجوز حينئذ، بل في دعائك عليه عقوق، يجب عليك التوبة منه، فإن البر بالجد واجب، كالأب. 

 قال ابن قدامة - رحمه الله - في المغني: والجد - وإن علا - كالأب في هذا، وسواء كان من قبل الأب، أو من قبل الأم، في قول أكثر مسقطي القصاص عن الأب. انتهى.

 وفي شرح صحيح البخاري لابن بطال: قال ابن المنذر: والأجداد آباء، والجدات أمهات، فلا يغزو المرء إلا بإذنهم، ولا أعلم دلالة توجب ذلك لغيرهم من الإخوة، وسائر القرابات. انتهى.

 وقال الحطاب في كتابه مواهب الجليل: وذكر في الإكمال في أول كتاب البر والصلة: أن بر الأجداد كالآباء. انتهى.

 وراجع في هذا الفتوى رقم: 149699، والفتوى رقم: 227740

وفي خصوص صلتهم: فإذا خشيت على نفسك، وأردت اجتناب مشاكلهم، فقم بالواجب من صلتهم، وعدم قطعهم، وهو: أن لا تهجرهم، فيكفيك في ذلك أن تتصل بهم بالهاتف، والسؤال عنهم، والسلام عليهم، ولا حرج عليك بعد ذلك.
قال القاضي عياض - رحمه الله -: وصلة الأرحام درجات، بعضها أفضل من بعض، وأدناها ترك المهاجرة، وصلتها بالكلام، ولو بالسلام، ويختلف ذلك باختلاف القدرة، والحاجة، فمنها واجب، ومنها مستحب، فلو وصل بعض الصلة ولم يصل غايتها، لم يسم قاطعا، ولو قصر عما يقدر عليه وينبغي له، لم يسم واصلا. انتهى.
 وننبهك إلى أن مسائل الخصومات، وقضايا المنازعات، يرجع فيها إلى المحاكم الشرعية، والقضاء؛ للبت فيها، وفض النزاع، وقطع الخصومة، وإن كان الأولى لذوي الأرحام حل منازعاتهم عن طريق الصلح، ولو بتنازل بعضهم لبعض عن حقه، وللفائدة يرجى مراجعة هذه الفتاوى: 100266، 112786، 133912.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة