السؤال
قرأت في أحد الكتب التي تعالج الهموم والحزن ككتاب: لا تحزن للدكتور عائض القرني، جملة: :إن على الشخص أن يقدر أسوأ الاحتمالات التي يمكن أن تحدث له؛ ولذلك لو جاءته أي مصيبة فستكون بسيطة، ويسهل حلها؛ لأنه قدر أسوأ الاحتمالات، وتوقع مصيبة أكبر من التي جاءته" فهل ذلك يتعارض مع كون الرسول صلى الله عليه وسلم كان يحب الفأل الحسن، ويكره التشاؤم؟ أرجو التوضيح من سيادتكم - تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال -.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
ففي الصحيحين عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا طيرة، وخيرها الفأل، قال: وما الفأل يا رسول الله؟ قال: الكلمة الصالحة يسمعها أحدكم.
قال النووي: التطير ـ التشاؤم, وأصله الشيء المكروه من قول، أو فعل، أو مرئي, وكانوا يتطيرون بالسوانح والبوارح، فينفرون الظباء، والطيور, فإن أخذت ذات اليمين تبركوا به, ومضوا في سفرهم، وحوائجهم, وإن أخذت ذات الشمال رجعوا عن سفرهم، وحاجتهم, وتشاءموا بها, فكانت تصدهم في كثير من الأوقات عن مصالحهم, فنفى الشرع ذلك وأبطله, ونهى عنه, وأخبر أنه ليس له تأثير بنفع، ولا ضر, فهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم: لا طيرة ـ وفي حديث آخر: الطيرة شرك ـ أي اعتقاد أنها تنفع، أو تضر؛ إذ عملوا بمقتضاها معتقدين تأثيرها, فهو شرك؛ لأنهم جعلوا لها أثرا في الفعل والإيجاد.
وقال الحليمي: وإنما كان صلى الله عليه وسلم يعجبه الفأل؛ لأن التشاؤم سوء ظن بالله تعالى بغير سبب محقق, والتفاؤل حسن ظن به, والمؤمن مأمور بحسن الظن بالله تعالى على كل حال، وقال الطيبي: معنى الترخص في الفأل، والمنع من الطيرة هو أن الشخص لو رأى شيئا فظنه حسنا محرضا على طلب حاجته، فليفعل ذلك، وإن رآه بضد ذلك، فلا يقبله، بل يمضي لسبيله، فلو قبل وانتهى عن المضي، فهو الطيرة التي اختصت بأن تستعمل في الشؤم. والله أعلم.
ومما نقلناه عن أهل العلم يتضح أن التشاؤم المذكور في الحديث هو ما كان من باب سوء الظن بالله، وضعف التوكل عليه، وتعلق القلب بأوهام لا حقيقة لها، ولا تأثير.
أما ما كان من باب النظر في عواقب الأمور، وتقدير أسوئها لأخذ الحيطة، والحذر، وإعداد العدة المناسبة، وتوطين النفس على تحمل المشاق، والابتلاءات: فلا حرج في ذلك، بل قد يكون بعض ذلك مأمورا به، فقد أمر الله عباده بأخذ الحذر، فقال سبحانه: يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم {النساء:71}.
ولا يتم أخذ الحذر كما ينبغي إلا بتقدير الاحتمال الأسوأ، إضافة إلى أن التشاؤم لا يجلب على الإنسان إلا الهم.
وأما توقع الأسوأ لأجل توطين النفس على تحمل المشاق، ومعالجة البلاء، فهذا مما يخفف حزن الإنسان، وإزالة كل من الهم والحزن مطلوبة شرعا، وقد كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم إني أعوذ بك من الهم، والحزن. رواه البخاري، وغيره.
فتوطين النفس على تقبل وقوع الأسوأ لون، والتشاؤم لون آخر، وبذلك تبين الفرق بينهما، وأن تقدير وقوع الأسوأ ليس مذموما على إطلاقه، كما أنه ليس محمودا بإطلاق، وانظر الفتوى رقم: 102870.
والله أعلم.