المعيار الصائب للرؤيا التي تقع

0 399

السؤال

هل يقع تفسير الرؤيا بما وقع في النفس من أن تأويلها كذا أم بتفسيرها بالقول؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

 فلا يلزم وقوع الرؤيا بمجرد ما يقع في النفس من تعبيرها؛ لأن ما يقع في النفس لا يعتبر تعبيرا، ولا اعتبار له في الشرع أصلا، ولا يلزم وقوعها أيضا بما عبرت به من أي أحد من الناس إذا كان لا يدري التعبير، وإنما يقع ما عبرت به إذا كان التعبير من عالم بالتعبير.

  جاء في شرح مسلم للنووي عند قوله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر: أصبت بعضا وأخطأت بعضا. قال: ..الرؤيا ليست لأول عابر على الإطلاق، وإنما ذلك إذا أصاب وجهها. اهـ.

 وقال الحافظ في الفتح: قال أبو عبيد وغيره: معنى قوله: الرؤيا لأول عابر إذا كان العابر الأول عالما، فعبر فأصاب وجه التعبير، وإلا فهي لمن أصاب بعده، إذ ليس المدار إلا على إصابة الصواب في تعبير المنام ليتوصل بذلك إلى مراد الله فيما ضربه من المثل. اهـ.

 وجاء في شرح سنن ابن ماجه للسيوطي: ..ولم يرد أن كل من عبرها من الناس وقعت كما عبر، بل أراد العالم المصيب الموفق، وكيف يكون الجاهل المخطئ عابرا وهو لم يصب ولم يقارب؟ ولا أراد أن كل رؤيا تعبر وتتأول؛ لأن أكثرها أضغاث أحلام. اهـ.

 وجاء في تأويل مختلف الحديث لابن قتيبة عند كلامه على حديث: الرؤيا على رجل طائر ما لم تعبر، فإذا عبرت وقعت، ولا تقصها إلا على واد أو ذي رأي. رواه أبو داود وصححه الألباني.

 قال: الرؤيا على رجل طائر ما لم تعبر، يراد أنها تجول في الهواء حتى تعبر، فإذا عبرت وقعت. ولم يرد أن كل من عبرها من الناس وقعت كما عبر، وإنما أراد بذلك العالم بها، المصيب الموفق. وكيف يكون الجاهل المخطئ في عبارتها، لها عابرا، وهو لم يصب ولم يقارب؟ وإنما يكون عابرا لها، إذا أصاب. يقول الله عز وجل: {إن كنتم للرؤيا تعبرون} 7، يريد: إن كنتم تعلمون عبارتها. اهـ.

 والرؤيا التي يقع ما عبرت به هي: الرؤيا الصحيحة التي من الملك، وليست من الشيطان، أو أضغاث الأحلام، أو الطبيعة؛ فالرؤيا الصحيحة هي التي تجول حتى يعبرها العالم بالتعبير، فيقع ما عبرت به؛ كما قال ابن قتيبة: وهذه الصحيحة هي التي تجول حتى يعبرها العالم بالقياس، الحافظ للأصول، الموفق للصواب، فإذا عبرها وقعت كما عبر. اهـ.

وأما النهي عن الإخبار بها لغير ذي ود. فيمكن أن يكون دفعا لما قد يقع من الحسد، أو السعي في الكيد لصاحبها، والإفساد عليه إذا كان الذي يقصها عليه عدوا، وليس معناه أن كل من فسرها وهو لا يدري يقع ما فسرت به.

  جاء في مرقاة المفاتيح للملا قاري: ويمكن أن يقال: المراد بتخصيص الرائي أنه إذا أخبر البغيض له، أو الحسود عليه بما يدل على رفعة شأنه... ربما يجتهد في دفعه أولا، ويمكر ... ويؤيد ما ذكرنا قوله تعالى حكاية عن يعقوب ليوسف عليهما السلام: {لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيدا} .. فإن قيل: كيف له التخير فيما يعبر به على ما ورد به الحديث - ولا يقصها إلا على واد، أي: ذي رأي - والأقضية لا ترد بالتوقي عن الأسباب، ولا تختلف أحكامها باختلاف الدواعي؟ قلنا: هو مثل السعادة والشقاوة، والسلامة والآفة المقضي بكل واحد منها لصاحبها، ومع ذلك فقد أمر العبد بالتعرض للمحمود منها، والحذر عن المكروه منها. اهـ.

والحاصل أنه لا يلزم وقوع الرؤيا بمجرد ما يقع في النفس من تعبيرها، ولا بما تفسر به من أي أحد من الناس إذا كان لا يدري التعبير، وإنما يقع ما عبرت به إذا كان التعبير من عالم بالتعبير.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة