السؤال
إذا كانت الدول الكافرة تطبق ضريبة على سلع دولة مسلمة، فهل نعاملهم بالمثل اقتداء بعمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أم أن هذا مختلف ويعد مكسا؟ وإذا كانت الدولة الفارضة للضرائب والرسوم على السلع دولة مسلمة وليست كافرة.
إذا كانت الدول الكافرة تطبق ضريبة على سلع دولة مسلمة، فهل نعاملهم بالمثل اقتداء بعمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أم أن هذا مختلف ويعد مكسا؟ وإذا كانت الدولة الفارضة للضرائب والرسوم على السلع دولة مسلمة وليست كافرة.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا حرج في فرض الضرائب على سلع غير المسلمين، خاصة إن كان ذلك معاملة لهم بالمثل، قال الشيخ الشنقيطي في (شرح زاد المستقنع): روي أنه في عهد عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - كتب إليه أبو موسى - رضي الله عنه وأرضاه - من الشام: أن الروم إذا دخلوا بلاد المسلمين لم يأخذوا عليهم شيئا، وإذا دخل المسلمون بلادهم متاجرين أخذوا عليهم العشر، فأمره عمر أن يأخذ منهم العشر إذا دخلوا، وهذا ما يسمى (بالتعشير)، فهي ضريبة تؤخذ للمتاجرة في بلاد المسلمين، معاملة بالمثل، ومثل ما يسمى في زماننا: (بالجمرك) فهذا يعتبر كالضريبة على الكافر، كما يعامل المسلمون إذا تاجروا في بلادهم، فتكون مقابلة بالمثل، ففعل ذلك عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وفعله بعده الخلفاء الراشدون، وأصبحت سنة مجمعا عليها: أن الكفار إذا تاجروا في بلاد المسلمين، أو كان لهم وكيل مسلم يورد سلعهم جاز أن يؤخذ عليهم كما يأخذون على المسلمين إذا وردوا السلع إليهم، وهذا يسمى (بالتعشير) وله ضوابط معينة، وينظر فيه الإمام بضوابط المصلحة، فيفرض العشر على الحربي، ونصف العشر على الذمي، وربع العشر على المسلم إذا تاجر من بلادهم. اهـ.
وأما بضائع المسلمين: فلا يجوز فرض ضريبة عليها، إلا ما كان في مقابل خدمات حقيقية تؤدى إليهم، وإلا كانت من المكس المحرم، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 65250.
جاء في (الموسوعة الفقهية): يرى الفقهاء أنه لا يجوز أخذ شيء من عروض تجارة المسلمين غير الزكاة الواجبة فيها، وليس عليهم من العشر المقرر على غير المسلمين شيء، لحديث: "إنما العشور على اليهود والنصارى، وليس على المسلمين عشور". اهـ.
وقال الشيخ عبد الوهاب خلاف في (السياسة الشرعية في الشئون الدستورية والخارجية والمالية): قال القاضي أبو يوسف في كتاب الخراج: حدثنا عاصم بن سليمان، عن الحسن، قال: كتب أبو موسى الأشعري إلى عمر بن الخطاب أن تجارا من قبلنا من المسلمين يأتون أرض الحرب، فيأخذون منهم العشر، فكتب إليه عمر: "خذ أنت منهم، كما يأخذون من تجار المسلمين، وخذ من أهل الذمة نصف العشر، ومن المسلمين من كل أربعين درهما درهما، وليس فيما دون المائتين شيء، فإذا كانت مائتين فيها خمسة دراهم، وما زاد فبحسابه".
وعلى هذا درجت الحكومات الإسلامية من عهد عمر، فأقيم العاشر عند ممر التجار بأموال التجارة الصادرة من البلاد الإسلامية، أو الواردة إليها، فإن كان التاجر مسلما أخذ منه ربع العشر على قدر الواجب في الزكاة، وإن كان ذميا أخذ منه نصف العشر، وإن كان حربيا عومل كما يعامل قومه تجار المسلمين، فإن كانوا يأخذون منه العشر أخذ منه، أو نصف العشر أخذ منه، أو ربع العشر كذلك، وإن لم يعلم ما يأخذونه أخذ منهم العشر. اهـ.
وقال الدكتور القره داغي معلقا على الأثر المروي عن عمر: وهذا الأثر يدل على مشروعية الضريبة على التجارة، بحيث توضع على تجارة غير المسلمين الذين يأتون من الخارج العشر10%، وعلى تجارة الذميين نصف العشر5%، وعلى تجارة المسلمين الزكاة، كما يدل على المعاملة بالمثل، فإذا كانت الدول غير الإسلامية تضع على تجارتنا ضريبة، فلنا الحق أن نضع على تجارتها مثلها, أو أكثر، أو أقل، وقد بين أبو يوسف بأن البداية كانت من أهل منبهج، قوم من أهل الحرب وراء البحر، كتبوا إلى عمر بن الخطاب، فقالوا: دعنا ندخل أرضك تجارا تعاشرنا، قال: فشاور عمر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك، فأشاروا عليه به، فكان أول من عشر من أهل الحرب.
ولا شك أن هذا الاجتهاد العمري الذي وافق عليه الصحابة يعد أصلا عظيما في العلاقات التجارية الدولية، وفي تنميتها، وفي ترسيخ موازين العدل، والمساواة، والمعاملة بالمثل بما يحقق الخير للجميع، وفي دعم الاقتصاد الإسلامي حيث يصرف ما يجبى منها مصرف الفيء. انتهى
وأما فرض ذلك على المسلمين من باب المعاملة بالمثل بين الدول، فلم نقف فيه على كلام لأهل العلم.
ويمكنك مراجعة المسألة في مظانها العلمية بتوسع أكثر، أو الرجوع إلى المجامع الفقهية.
والله أعلم.