السؤال
يقول البخاري: نظرت في كلام اليهود والنصارى والمجوس، فما رأيت أحدا أضل في كفرهم من الجهمية، وإني لأستجهل من لا يكفرهم، فكيف يكفر البخاري الجهمية ثم يروي عنهم، فمن رواة البخاري يحيى بن صالح الوحاظي وهو جهمي؟.
يقول البخاري: نظرت في كلام اليهود والنصارى والمجوس، فما رأيت أحدا أضل في كفرهم من الجهمية، وإني لأستجهل من لا يكفرهم، فكيف يكفر البخاري الجهمية ثم يروي عنهم، فمن رواة البخاري يحيى بن صالح الوحاظي وهو جهمي؟.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فيحي بن صالح الوحاظي مختلف فيه بين الأئمة، فنسبه بعضهم إلى شيء من رأي جهم، وهو الإمام أحمد، ومنهم من نسبه إلى الإرجاء، وهو إسحاق بن منصور، ومنهم من قال إنه جهمي، وهو العقيلي، وقد وثقه غير واحد من علماء الجرح والتعديل، وقد حكى الحافظ في مقدمة فتح الباري من نسبه من الأئمة إلى شيء من رأي جهم ومن رماه بالإرجاء ولم يرجح، فقال رحمه الله: يحيى بن صالح الوحاظي الحمصي من شيوخ البخاري وثقه يحيى بن معين وأبو اليمان وبن عدي وذمه أحمد، لأنه نسبه إلى شيء من رأى جهم، وقال إسحاق بن منصور: كان مرجئا، وقال الساجي: هو من أهل الصدق والأمانة، وقال أبو حاتم: صدوق، وقال أحمد بن صالح: حدثنا بأحاديث عن مالك ما وجدناها عند غيره، وقال الخليلي: روى عن مالك عن الزهري عن سالم عن أبيه في المشي أمام الجنازة ولم يتابع عليه، وإنما هذا حديث سفيان، ويقال إن سفيان أخطأ فيه، قلت: قد توبع على حديث مالك أخرجه الدارقطني في غرائب مالك من حديث عبيد الله بن عوف الخراز وغيره عن مالك وقال وصله هؤلاء الثلاثة وهو في الموطأ مرسل ـ وإنما روى عنه البخاري حديثين أو ثلاثة وروى عن رجل عنه من روايته عن معاوية بن سلام وفليح بن سليم خاصة، وروى له الباقون سوى النسائي. انتهى.
وقال الذهبي ـ رحمه الله ـ في سير أعلام النبلاء في ترجمته: وممن وثقه: ابن عدي، وابن حبان، وغمزه بعض الأئمة لبدعة فيه، لا لعدم إتقان. انتهى.
فمن كانت حاله كالوحاظي ـ مختلف فيه بين الأئمة ـ فتحل الرواية عنه خصوصا إذا علم أنه من أهل الصدق والأمانة والضبط، وأن ما يرويه لا ينصر البدعة التي رمي بها، ولهذا فقد روى عنه كثير من أئمة الحديث، وأحاديثه في الكتب الستة إلا سنن النسائي، قال الحافظ ابن حجر في نزهة النظر: الأكثر على قبول غير الداعية، إلا إن روى ما يقوي بدعته فيرد على المذهب المختار، وبه صرح الحافظ أبو إسحاق إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني شيخ أبي داود، والنسائي في كتابه معرفة الرجال، فقال في وصف الرواة: ومنهم زائغ عن الحق ـ أي: عن السنة ـ صادق اللهجة، فليس فيه حيلة، إلا أن يؤخذ من حديثه غير ما لا يكون منكرا إذا لم يقو به بدعته ـ وما قاله متجه، لأن العلة التي لها رد حديث الداعية واردة فيما إذا كان ظاهر المروي يوافق مذهب المبتدع، ولو لم يكن داعية. انتهى.
وقال أيضا في مقدمة فتح الباري: واعلم أنه قد وقع من جماعة الطعن في جماعة بسبب اختلافهم في العقائد فينبغي التنبه لذلك وعدم الاعتداد به إلا بحق، وكذا عاب جماعة من الورعين جماعة دخلوا في أمر الدنيا فضعفوهم لذلك، ولا أثر لذلك التضعيف مع الصدق والضبط. انتهى.
وقال السخاوي في فتح المغيث: قال شيخنا: والتحقيق أنه لا يرد كل مكفر ببدعة، لأن كل طائفة تدعي أن مخالفيها مبتدعة وقد تبالغ فتكفرها، فلو أخذ ذلك على الإطلاق لاستلزم تكفير جميع الطوائف، فالمعتمد أن الذي ترد روايته من أنكر أمرا متواترا من الشرع، معلوما من الدين بالضرورة، أي: إثباتا ونفيا، فأما من لم يكن بهذه الصفة، وانضم إلى ذلك ضبطه لما يرويه مع ورعه وتقواه، فلا مانع من قبوله. انتهى.
وقال السخاوي أيضا: والذي يظهر أن الذي يحكم عليه بالكفر من كان الكفر صريح قوله، وكذا من كان لازم قوله، وعرض عليه فالتزمه، أما من لم يلتزمه وناضل عنه ; فإنه لا يكون كافرا، ولو كان اللازم كفرا، وينبغي حمله على غير القطعي ليوافق كلامه الأول. انتهى.
وانظر للفائدة حكم قبول رواية المبتدع الثقة في الفتوى رقم: 219406.
والله أعلم.