السؤال
جادلت أحد الناس يوما في موضوع اتباع جنازة النصراني مجاملة لأهله؛ لأنهم جيران في السكن، فأخبرته أن ذلك لا يجوز، ولم أذكر له دليلا من القرآن أو السنة، فهل أجد دليلا من القرآن أو السنة على حرمة اتباع جنازة غير المسلم، إلا في الضرورة فقط، كالقرابة مثلا -بارك الله فيكم، ونفع بكم -؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن اتباع جنازة الكافر لم يرد فيها دليل قطعي، وإنما ورد الدليل القطعي في حرمة الصلاة عليه، والدعاء له، وهو محل إجماع؛ فقد قال الله تعالى: ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره إنهم كفروا بالله ورسوله وماتوا وهم فاسقون {التوبة:84}، وقال تعالى: ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم {التوبة:113}، وقال الإمام النووي في المجموع: وأجمعوا على تحريم الصلاة على الكافر.
واستدل من قال بحرمة اتباع جنازة الكافر، بأن ذلك يشبه الصلاة عليه، وهي محرمة عليه بنص القرآن الكريم - كما رأيت - جاء في الإقناع للبهوتي الحنبلي: وإنما منع المسلم من اتباع جنازة الكافر .. لما فيه من التعظيم له، والتطهير، فأشبه الصلاة عليه، وهي محرمة بنص القرآن الكريم. اهـ
وذهب بعضهم إلى جواز الاتباع، واستدلوا على ذلك بآثار عن السلف الصالح من الصحابة، والتابعين، منها: أن عددا من الصحابة - رضوان الله عليهم - اتبعوا جنازة أم الحارث بن أبي ربيعة، وكانت نصرانية؛ فقد روى الإمام محمد بن الحسن الشيباني في كتاب الآثار: قال: أخبرنا أبو حنيفة، عن حماد، عن إبراهيم، أن الحارث بن أبي ربيعة ماتت أمه النصرانية، فتبع جنازتها في رهط من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، قال محمد: لا نرى باتباعها بأسا، إلا أنه يتنحى ناحية عن الجنازة، وهو قول أبي حنيفة - رضي الله عنه -.
وهذا الأثر عند ابن أبي شيبة، وعبد الرزاق، عن الثوري، عن حماد، عن الشعبي قال: ماتت أم الحارث بن أبي ربيعة، وكانت نصرانية، فشيعها أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم.
كما استدلوا بجواز تعزيته في ميته، وزيارته، كما زار النبي صلى الله عليه وسلم الشاب اليهودي، ودعاه إلى الله حتى أسلم. كما في الحديث الذي رواه البخاري.
وعلى هذا القول - وهو جواز الاتباع - فإنه لا حرج في اتباع جنازة الجار الكافر مجاملة.
وقد نص بعض أهل العلم على جواز اتباع جنازته قياسا على القريب؛ قال شمس الدين الرملي في نهاية المحتاج: ولا بأس باتباع المسلم جنازة قريبه الكافر ... ولا يبعد - كما قاله الأذرعي - إلحاق الزوجة، والمملوك بالقريب، ويلحق به أيضا المولى، والجار، كما في العيادة. اهـ
وجاء في حاشية تحفة المحتاج للشيخ الطبلاوي تقرير وجه المجاملة في ذلك قال: كأن الشارح لم يستحضر ما قدمه عند قول المصنف: ولا بأس باتباع المسلم جنازة قريبه الكافر، مما نصه: ويجوز له زيارة قبره أيضا، وكالقريب زوج، ومالك، قال شارح: وجار، واعترض بأن الأوجه تقييده برجاء إسلام، أو خشية فتنة. اهـ
هذا وننبه إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم رغب في ترك الجدال، فقال: أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقا. رواه أبو داود، وحسنه الألباني.
ويتأكد ذلك إذا كان الجدال في الدين، وممن لم يكن واسع الاطلاع، وليس عنده ما يجادل به من العلم، والأدلة من الكتاب والسنة.
والله أعلم.