السؤال
عندي أيمان أربعة: حلفت أن زوجتي لن تذهب إلى أهلها، وبعدها اتفقنا وذهبت، وحلفت بأنني لن أخرج لها بدل فاقد لصرافتها، لأنها كسرتها وحلفت يمينين مشابهين، وأنا على علم بأن الكفارة: إطعام عشرة مساكين، أو صيام ثلاثة أيام ـ وقد أطعمت عشرة مساكين ولكن نوع الطعام: كان موزا، وماء، وفطيرة، وعصيرا ـ لكل واحد، وبعد الإطعام اكتشفت أن الطعام لابد أن يكون مقدارا محددا، ووفق حسابات دقيقة ويشترط الأرز أو القمح، أو ما يحل محلهما، فماذا علي؟ وهل يجزئ الطعام الذي أطعمته؟ أم أطعم بطعام آخر؟ يرجى توضيح نوع الطعام مع الكمية بالكيلو في زمنا هذا إذا كان نوع الطعام الذي أطعمته لا يجزئ، علما بأن المساكين الذين أطعمتهم من الإخوة البنغال الذين يقومون بمهمة النظافة بالمدينة لدينا.
ولكم جزيل الشكر.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد أصاب السائل الكريم في الحنث في اليمين إن كان لمصلحة، ففي الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إني والله ـ إن شاء الله ـ لا أحلف على يمين ثم أرى خيرا منها إلا كفرت عن يميني وأتيت الذي هو خير.
ففي هذا الحديث وغيره يبين لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن المسلم إذا حلف على يمين ورأى غيرها خيرا منها فليكفر عن اليمين ويأتي الذي هو خير.
وأما الإطعام الذي جعله الله كفارة لليمين: قد بينه سبحانه بأنه إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تعتادون إطعام أهليكم منه، قدرا ونوعا، لقوله تعالى: فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام {المائدة:89}.
قال الشوكاني ـ رحمه الله ـ في فتح القدير: المراد بالوسط هنا المتوسط بين طرفي الإسراف والتقتير، وليس المراد به الأعلى كما في غير هذا الموضع، أي أطعموهم من المتوسط مما تعتادون إطعام أهليكم منه، ولا يجب عليكم أن تطعموهم من أعلاه، ولا يجوز لكم أن تطعموهم من أدناه. انتهى.
ولا شك في أن الأرز والقمح من أوسط ما يطعمه الناس، فلا حرج في الاقتصار عليه في الإطعام، وإن كان معه إدام فحسن، وأما الموز والفطيرة: فليس من الوسط، وأما مقدار الإطعام: فمختلف فيه بين العلماء، فمن أهل العلم من يرى أن مدا من الطعام يكفي كقول الشافعية والمالكية، ومنهم من يرى أن المجزئ مد من بر ـ أي قمح ـ ونصف صاع من غيره، وهو قول الحنابلة، ومنهم من يرى أن المجزئ نصف صاع من بر وصاع من غيره، وهو قول الحنفية، قال ابن قدامة في المغني: قدر الطعام في الكفارات كلها مد من بر لكل مسكين، أو نصف صاع من تمر أو شعير.... وقال أبو هريرة: يطعم مدا من أي الأنواع كان، وبهذا قال عطاء والأوزاعي والشافعي... اهـ.
ثم الواجب أن يدفع إلى كل واحد منهم المقدار المجزئ في الكفارة وهو مد من طعام أي حوالي 750جراما تقريبا من الأرز، والأحوط أن يجعل قدر المخرج نصف صاعا ـ أي كيلو ونصف تقريبا ـ ولو صنع طعاما ودعا إليه المساكين، فهل يجزيء أولا؟ في ذلك خلاف بين العلماء والراجح ـ إن شاء الله ـ أنه يجزئه وإن كان الأحوط أن يملكهم الطعام خروجا من الخلاف، قال المرداوي في الإنصاف: قوله ـ أي ابن قدامة في المقنع ـ وإن أخرج القيمة أو غدى المساكين أو عشاهم لم يجزئه، هذا المذهب وعليه جماهير الأصحاب وجزم به في المغني والوجيز وغيرهم، وقدمه في المحرر والشرح والفروع وغيرهم، وعنه يجزئه إذا كان قدر الواجب، واختار الشيخ تقي الدين رحمه الإجزاء ولم يعتبر القدر الواجب، وهو ظاهر نقل أبي داود وغيره فإنه قال: أشبعهم؟ قال ما أطعهم؟ قال خبز ولحما إن قدرت أو من أوسط طعامكم. انتهى.
ثم إنه يجوزعلى القول الراجح دعوة المساكين إلي طعام يأكلونه، ولكنه لابد أن يكون مما يقتات به ولا تجزئ فيه الفاكهة، واختلف هل يجزئ أن يغديهم أو يعشيهم أو لابد من أن يغدي المساكين ويعشيهم، وقد رجحنا قول أكثرهم وهو الأحوط وهو أنه لابد من أن يغدي المساكين ويعشيهم، وانظر لذلك الفتوى رقم: 95847.
وعليه، فالأحوط هو دفع الكفارة طعاما للمساكين, وتمليكه إياها وعدم الاكتفاء بالدعوة والإباحة، فقد جاء في الموسوعة الفقهية: التمليك هو إعطاء المقدار الواجب في الإطعام، ليتصرف فيه المستحق تصرف الملاك، والإباحة هي تمكين المستحق من تناول الطعام المخرج في الكفارة، كأن يغديهم ويعشيهم، أو يغديهم غداءين، أو يعشيهم عشاءين وقد أجاز الحنفية، والمالكية التمليك، والإباحة في الإطعام، وهو رواية عن أحمد، وأجاز الحنفية منفردين الجمع بينها لأنه جمع بين جائزين، والمقصود سد الخلة، كما أجازوا دفع القيمة سواء أكانت مالا أم غيره، وقال الشافعية، وهو المذهب عند الحنابلة: يجب التمليك ولا تجزئ الإباحة، فلو غدى المساكين، أو عشاهم، لا يجزئ، لأن المنقول عن الصحابة الإعطاء، ولأنه مال واجب للفقراء شرعا، فوجب تمليكهم إياه كالزكاة. انتهى.
وأما عن الكمية بالكيلو بزمننا هذا، فان كفارة اليمين تعتبر بالكيل لا بالوزن، ومن المعلوم أن الكيل قد يتفق مع اختلاف الأوزان، وراجع الفتويين رقم: 11715، ورقم: 6602.
والله أعلم.