السؤال
سؤالي إخوتي في الله: بعد أن قرأت ردكم عن المسيح وصعوده إلى السماء، فإن ردكم كان أن سيدنا عيسى في السماء بدليل أن الله قد رفعه إليه استنادا إلى الآية التي تقول: إني متوفيك ورافعك إلي .. إلى هنا جيد، توجد آية تقول: ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون ـ أين هم هؤلاء الأحياء الذين عند ربهم يرزقون؟ وفي أي سماء هم يا ترى؟.
أفيدونا أثابكم الله، وجزاكم الله أحسن الجزاء.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فليس المراد بكونهم أحياء أن أجسادهم ليست في قبورهم، بل هي فيها، وسيبعثون منها يوم القيامة، كما قال تعالى: منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى {طه: 55}.
وإنما المراد حياة أرواحهم، قال ابن عطية في المحرر الوجيز عند تفسير هذه الآية: لا محالة أنهم ماتوا، وأن أجسادهم في التراب، وأرواحهم حية كأرواح سائر المؤمنين، وفضلوا بالرزق في الجنة من وقت القتل، حتى كأن حياة الدنيا دائمة لهم. اهـ.
وقال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: أثبت القرآن للمجاهدين موتا ظاهرا بقوله: قتلوا ـ ونفى عنهم الموت الحقيقي بقوله: بل أحياء عند ربهم يرزقون ـ فعلمنا أنهم وإن كانوا أموات الأجسام، فهم أحياء الأرواح، حياة زائدة على حقيقة بقاء الأرواح، غير مضمحلة، بل هي حياة بمعنى تحقق آثار الحياة لأرواحهم من حصول اللذات والمدركات السارة لأنفسهم، ومسرتهم بإخوانهم، ولذلك كان قوله: عند ربهم ـ دليلا على أن حياتهم حياة خاصة بهم، ليست هي الحياة المتعارفة في هذا العالم، أعني حياة الأجسام وجريان الدم في العروق، ونبضات القلب، ولا هي حياة الأرواح الثابتة لأرواح جميع الناس. اهـ.
وقال الزجاج في معاني القرآن: بل أحياء عند ربهم يرزقون ـ فأعلمنا أن من قتل في سبيل الله حي، فإن قال قائل: فما بالنا نرى جثة غير متصرفة؟ فإن دليل ذلك مثل ما يراه الإنسان في منامه، وجثته غير متصرفة على قدر ما يرى، والله عز وجل قد توفى نفسه في نومه، فقال تعالى: الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها ـ وينتبه المنتبه من نومه فيدركه الانتباه وهو في بقية من ذلك، فهذا دليل أن أرواح الشهداء جائز أن تفارق أجسامهم، وهم عند الله أحياء، فالأمر فيمن قتل في سبيل الله لا يجب أن يقال له ميت، لكن يقال له شهيد وهو عند الله حي. اهـ.
وقد ثبت في السنة أن أرواح الشهداء في جوف طير خضر، لها قناديل معلقة بالعرش تأوي إليها، وراجع في ذلك الفتويين رقم: 186031، ورقم: 32629.
والله أعلم.