السؤال
هل اللعاب المتناثر من العطاس معفو عنه؟ وهل يجوز مس المصحف بشيء تناثر عليه شيء من اللعاب أو وضع المصحف عليه؟ وماذا لو لم يكن مصحفا بل كتابا ذكر فيه اسم الله مرتين ـ وهما اسم المؤلف أو بسم الله الرحمن الرحيم ـ في بداية الكتاب؟ وما حكم العرق؟ وهل هو مستقذر مثل اللعاب أم لا؟ وهل يجب تنظيف المصحف منه، علما بأنه يخرج كثيرا في الصيف؟.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فينبغي للعاطس أن يغطي أنفه حتى لا يتطاير رذاذ العطاس، وأما لو تطاير هذا الرذاذ، فإنه يعتبر من المخاط الذي يخرج من الأنف، وهو من الأشياء الطاهرة، ومثله اللعاب والريق الذي يخرج من الفم إن كان لم يخالطهما شيء من الدم، وكذلك العرق طاهر، وكل هذه الأشياء مستقذرة، فقد قال خليل المالكي في المختصر عند كلامه على الطاهرات: والحي ودمعه وعرقه ولعابه ومخاطه...
قال الدردير في شرحه للمخاط: وهو ما يخرج من أنفه. اهـ.
وقال صاحب عون المعبود تعليقا على حديث بزق رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثوبه وحك بعضه ببعض: وفيه أن البصاق طاهر، وكذا النخامة والمخاط، خلافا لمن يقول كل ما تستقذره النفس حرام. انتهى.
وأما عن وضع المصحف على المكان الذي تطاير عليه الريق أو المخاط، أو مسه بشيء تطاير عليه ذلك المخاط أو الريق: فإنه لا شك في أهمية توقير المصاحف والعناية بنظافة ما تطرح عليه وما تمس به تكريما لها وتنزيها لآيات الله تعالى وتعظيما لشعائره، فإنه تعالى يقول: ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب {32}.
وقد نص بعض أهل العلم على تحريم بل الأصابع بالريق لتقليب أوراق المصحف بها وعلى منع وضعها على شيء مستقذر ومثلوا لذلك بالريق، قال الشيخ الدردير في الشرح الصغير: ومثل إلقائه ـ أي: المصحف ـ تركه بمكان قذر، ولو طاهرا كبصاق، أو تلطيخه به، لا نحو تقليب ورق به، ومثل المصحف: الحديث، وأسماء الله، وكتب الحديث، وكذا كتب الفقه إن كان على وجه الاستخفاف بالشريعة. انتهى.
قال الصاوي في حاشيته على الشرح الصغير: قوله: لا نحو تقليب ورق به ـ أي: فليس بردة، وإن كان حراما. انتهى.
وأما تلطيخ المصحف بذلك على وجه الاستخفاف به: فإنه كفر وردة ـ والعياذ بالله تعالى ـ قال ابن حجر الهيتمي الشافعي في التحفة: والفعل المكفر ما تعمده استهزاء صريحا بالدين، أو عنادا له، أو جحودا له كإلقاء المصحف، أو نحوه مما فيه شيء من القرآن، بل أو اسم معظم، أو من الحديث، قال الروياني: أو من العلم الشرعي بقاذورة، أو قذر طاهر كمخاط وبصاق ومني، لأن فيه استخفافا بالدين، وقضية قوله كإلقاء أن الإلقاء ليس بشرط، وأن مماسة شيء من ذلك بقذر كفر أيضا، وفي إطلاقه نظر، ولو قيل لابد من قرينة تدل على الاستهزاء لم يبعد... اهـ.
وقد ذهب بعض العلماء إلى جواز مسه بما فيه ريق وجوزوا إلقاء البصاق على اللوح الذي كتب فيه قرآن لإزالة ما فيه مادام فاعل ذلك لا يريد به الاستخفاف، قال البجيرمي ـ رحمه الله ـ في حاشيته المشهورة بالتجريد لنفع العبيد: وعليه، فما جرت به العادة من البصاق على اللوح لإزالة ما فيه، ليس بكفر، بل ينبغي عدم حرمته أيضا. اهـ.
وقال ابن مفلح في الفروع: ويحرم مسه ـ أي المصحف ـ بعضو نجس لا بغيره في الأصح فيهما. اهـ.
وعلى هذا، فينبغي الاحتياط بتوقي مس المصحف أو اسم من أسماء الله بما فيه قذر وتوقي وضعه على ما فيه قذر، خروجا من خلاف العلماء وتوقيرا لكتاب الله عز وجل، قال الله تعالى: ومن يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه {الحج: 30}.
وقال تعالى: ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب {الحج: 32}.
والله أعلم.