السؤال
قرأت فتواك برقم: 23290 وجاء في آخرها: وقد قال ابن قتيبة نفسه في غريب الحديث، عند قوله صلى الله عليه وسلم: الريح من روح الله، تأتي بالرحمة والعذاب، فلا تسبوها. قال: فروح الله بمنزلة نفس الله. اهـ.
فهل المقصود أن الريح من نفس الله؟
ما الواجب على من يسمع إمام مسجده يقول في قول الله سبحانه: (وهو القاهر فوق عباده) أن المعنى العلو والرفعة، وأضاف أنه جل وعلا في كل مكان، مستدلا بقوله سبحانه: (ما يكون من نجوى ثلاثة إلاهو رابعهم) وقد قرأت في موقعكم أن القول بأن الله في كل مكان له معنى صحيح أي بعلمه؟
لماذا يكفر كل من قال بأن الله جل وعلا في كل مكان؟ وهل لحصول الكفر بهذا السبب موانع؟
وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما ذكرته من أن المقصود أن الريح من نفس الله، قد جاء به حديث أبي بن كعب رضي الله عنه موقوفا عليه: لا تسبوا الريح؛ فإنها من نفس الرحمن تبارك وتعالى. رواه النسائي في السنن الكبرى، وعمل اليوم والليلة، والحاكم في المستدرك، وقال: صحيح على شرط الشيخين، وقال الذهبي: على شرط البخاري، والبيهقي في الأسماء والصفات.
وأما معناه فقد بينه غير واحد من علماء اللغة والشريعة.
فقد قال الأزهري في تهذيب اللغة: قوله: ((الريح من نفس الرحمن))؛ أي: من تنفيس الله بها عن المكروبين، وتفريجه عن الملهوفين. انتهى.
وقال البيهقي في الأسماء والصفات: الريح من نفس الرحمن . أي: من تنفيس الله تعالى بها عن المكروبين. انتهى.
وقال أبو يعلى الفراء في: إبطال التأويلات. بعد ذكره حديث: الريح من نفس الرحمن: اعلم أن شيخنا أبا عبد الله، ذكر هذا الحديث في كتابه، وامتنع أن يكون على ظاهره، في أن الريح صفة ترجع إلى الذات، والأمر على ما قاله، ويكون معناه أن الريح مما يفرج الله عز وجل بها عن المكروب والمغموم؛ فيكون معنى النفس معنى التنفيس، وذلك معروف في قولهم: نفست عن فلان؛ أي: فرجت عنه، وكلمت زيدا في التنفيس عن غريمه، ويقال: نفس الله عن فلان كربة؛ أي: فرج عنه، وروي في الخبر: ((من نفس عن مكروب كربة؛ نفس الله عنه كربة يوم القيامة)). وروي في الخبر أن الله فرج عن نبيه بالريح يوم الأحزاب، فقال سبحانه: {فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها} [الأحزاب: 9]. انتهى.
وأما قول القائل –إماما أو غيره- إن قوله تعالى:وهو القاهر فوق عباده {الأنعام:18}. معناه العلو أي: يدل على علو ذاته سبحانه فصحيح، وأما إن قصر المعنى على علو القهر فقط، أو علو القدر والشرف فقط، فغير صحيح، وعلى من كان عنده علم أن يبين له ويصحح له خطأه.
قال ابن القيم رحمه الله تعالى: التأويل الذي يوجب تعطيل المعنى الذي هو غاية العلو والشرف، ويحمله إلى معنى دونه بمراتب، مثاله تأويل الجهمية: {وهو القاهر فوق عباده} [الأنعام: 18]. ونظائره بأنها فوقية الشرف، كقولهم: الدراهم فوق المفلس، فعطلوا حقيقة الفوقية المطلقة التي هي من خصائص الربوبية، المستلزمة لعظمة الرب تعالى، وحطوها إلى كون قدره فوق قدر بني آدم. انتهى.
وقال الشيخ ابن عثيمين- رحمه الله تعالى- في عقيدة أهل السنة والجماعة: ونؤمن بأن الله عز وجل علي على خلقه بذاته، وصفاته؛ لقوله تعالى: { وهو العلي العظيم } [البقرة: 255]. وقوله: { وهو القاهر فوق عباده وهو الحكيم الخبير } [الأنعام: 18]. انتهى.
وأما القول بأن الله سبحانه وتعالى بذاته في كل مكان، فباطل وكفر، وضلال.
وراجع في الرد على من يقول ذلك، وحكم الصلاة خلفه الفتويين: 8825، 6989.
ومع قولنا إن هذا الاعتقاد الباطل كفر بالله تعالى, لكن لا يلزم من كون القول كفرا أن يكفر قائله، فإن التكفير له ضوابطه, ولا يحكم على أحد بالكفر إلا إذا تحققت شروطه، وانتفت موانعه، ومن ذلك مانع الجهل, فلا يجوز تكفير الجاهل ولو أتى مكفرا حتى يبين له الحق؛ قال تعالى: وما كان الله ليضل قوما بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون إن الله بكل شيء عليم {التوبة:115}. ولمزيد الفائدة راجع الفتويين: 721، 15255.
والله أعلم.