السؤال
قامت أختي الصغيرة بالتبول على السجادة، في مكان لا أعرفه تحديدا، وتركناه يجف اعتقادا منا أن النجاسة على السجادة تذهب بالجفاف، كذلك كنا نفعل بالمرتبة التي كانت تبول عليها، ولكن الآن عرفنا أنه يجب سكب الماء على موضع البول، ولكننا كنا طوال السنوات الماضية نغسل السجاد الذي عليه البول بالماء والصابون، والماء المنفصل عنه الذي كان لونه أصفر لا نعتبره نجسا، ونتركه تحت السجادة بدون تجفيفه. وأيضا إخوتي الصغار كانوا يدوسون على الماء المنفصل هذا، ثم يمشون في أنحاء الشقة وأرجلهم مبللة به، وينامون على السرير أيضا وأرجلهم مبللة به، وأنا الآن لا أعرف الأماكن التي داسوا عليها بالضبط إذ كان هذا منذ سنوات، والآن أريد أن أعرف هل غسل السجادة كان صحيحا، ويمكن الآن أن أدوس عليها وقدمي مبللة، ولا تتنجس قدمي بذلك؟
أفيدوني فأنا أشعر أن كل المنزل تنجس بذلك، مع أنه ليست هناك أي بقعة بول، أو رائحة في أي مكان بالشقة، ولا أستطيع أن أصلي الآن إلا بصعوبة لشعوري بأن صلاتي باطلة.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد بينا بالفتوى رقم: 36980 أن جفاف النجاسة على الثوب لا يكفي في تطهيرها في قول جماهيرأهل العلم، ومنهم الحنفية القائلون بأن الأرض وما شابها كالحيطان، والأشجار القائمة، تطهر بالجفاف، وزوال أثر النجاسة، ومثل الثوب السجاد ونحوه. وللفائدة راجع الفتوى رقم: 102928.
وبهذا يعلم السائل أن الموضع المصاب بالبول من الفرش إذا لم يتم غسله، فإنه لا يطهر بالجفاف، وعليه فإن ما يلاقي موضع البول تنتقل إليه النجاسة إذا كان أحدهما مبتلا؛ وراجع الفتوى رقم: 62420، في مسألة ملاقاة الطاهر للنجس إذا كان أحدهما جافا والآخر رطبا، أو مبتلا.
وأما غسل السجادة ومكاثرتها بالماء، فتطهر بذلك، ولكن إذا علمت أن الماء الذي انفصل عن السجادة متغير بنجاسة، فقد أصيبت السجادة بماء متنجس، مما أدى إلى تنجسها، ما لم يكن رذاذا لا يدرك بالعين، فيعفى عنه لقلته، وقد بينا بالفتوى رقم: 57814 أن الراجح أن حكم الغسالة هو حكم المحل الذي انفصلت عنه، فإن انفصل عن المحل المغسول وهو ما زال نجسا، فهي نجسة، وما وقعت عليه يتنجس، وإن انفصلت عن المحل المغسول وهو طاهر، فهي طاهرة، ولا يتنجس ما وقعت عليه.
وراجع للفائدة الفتوى رقم: 32186، وتوابعها.
وأما إذا شككت هل المنفصل متغير أم لا؟ فالأصل في الأشياء الطهارة حتى تثبت نجاستها، كما تقدم في الفتوى رقم: 57301.
وعلى كل فعليكم أن تلتزموا قواعد الطهارة فيما يستقبل، واستغفروا الله عن تقصيركم فيما مضى، ونوصيكم بالتعلم؛ فتعلم أحكام العبادات واجب.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: وطلب العلم الشرعي فرض على الكفاية إلا فيما يتعين؛ مثل طلب كل واحد علم ما أمره الله به وما نهاه عنه؛ فإن هذا فرض على الأعيان. اهـ.
وأما ما مضى من صلوات سنين مع الجهل بالنجاسة، فللعلماء خلاف، بيناه بالفتوى رقم: 6115، ولا حرج في الأخذ بقول من صحح الصلاة، لا سيما مع كثرة الصلوات، وقوة أدلة هذا الفريق.
جاء في مجموع فتاوى ابن تيمية -رحمه الله-: الوجه الثالث: وهو أن النجاسة لا يستحب البحث عما لم يظهر منها، ولا الاحتراز عما ليس عليه دليل ظاهر لاحتمال وجوده، فإن كان قد قال طائفة من الفقهاء من أصحاب أحمد وغيرهم: إنه يستحب الاحتراز عن المشكوك فيه مطلقا، فهو قول ضعيف. وقد ثبت عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه مر هو وصاحب له بمكان، فسقط على صاحبه ماء من ميزاب، فنادى صاحبه: يا صاحب الميزاب أماؤك طاهر أم نجس؟ فقال له عمر: يا صاحب الميزاب لا تخبره، فإن هذا ليس عليه. فنهى عمر عن إخباره؛ لأنه تكلف من السؤال ما لم يؤمر به. وهذا قد ينبني على أصل. وهو: أن النجاسة إنما يثبت حكمها مع العلم، فلو صلى وببدنه، أو ثيابه نجاسة ولم يعلم بها إلا بعد الصلاة، لم تجب عليه الإعادة في أصح قولي العلماء. انتهى .
وأما قولك: أحس أن كل المنزل قد تنجس، فغير صحيح؛ لأن الأصل الطهارة، ولا يتغير هذا الأصل بمجرد الشك؛ فإذا رأيت أثر النجاسة في بقعة، فاجتنبها، وطهرها، وأما غير ذلك فطالما لم يوجد دليل النجاسة؛ فالأصل في المكان الطهارة، ولا ينجس شيء بالشك؛ وراجع الفتويين: 99403، 209728، فدع عنك هذه الوساوس، فقد تجرك إلى ما لا يحمد عقباه.
وفقك الله إلى ما فيه الخير.
والله أعلم.