السؤال
لو سمحت أريد أن أعرف حكم الدين في الرسم: يعني مثلا أنا أرسم لوحا لأشخاص سواء من خيالي، أو نقلا من صورة أو غيرها، ورسومات أخرى متنوعة: حيوان، وجماد وهكذا، مع العلم أن النية تكون في غير معصية الله، ولا التجسيد إنما هي موهبة تشعرني بالسعادة؟
لو سمحت أريد أن أعرف حكم الدين في الرسم: يعني مثلا أنا أرسم لوحا لأشخاص سواء من خيالي، أو نقلا من صورة أو غيرها، ورسومات أخرى متنوعة: حيوان، وجماد وهكذا، مع العلم أن النية تكون في غير معصية الله، ولا التجسيد إنما هي موهبة تشعرني بالسعادة؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الرسم لذوات الأرواح إذا كان مجسما حرم بالإجماع، وممن نقل هذا الإجماع النووي في شرح مسلم، قال: وأجمعوا على منع ما كان له ظل، ووجوب تغييره. انتهى.
وإذا كان الرسم باليد على اللوحات، والجدران، والثياب وغيرها، فهو محرم أيضا عند جماهير العلماء؛ لأن الأحاديث جاءت مطلقة، ولم تفرق بين المجسم، وغير المجسم، كقوله صلى الله عليه وسلم: الذين يصنعون هذه الصور يعذبون يوم القيامة، يقال لهم: أحيوا ما خلقتم. رواه مسلم عن ابن عمر.
وقد سبق لنا في الفتوى رقم: 34635، أن رسم ما له روح يشمل رسم كائنات لا مثيل لها في الواقع.
قال ابن حجر الهيتمي في الزواجر: ولو صورة لا نظير لها كفرس لها أجنحة. انتهى.
وفي حاشية البجيرمي: ولو لما لا نظير له كبقر له منقار، أو جناح. انتهى.
وحسن النية لا يقلب الشيء المحرم فيجعله حلالا.
وإذا تقرر هذا؛ فاعلمي أنه يجوز لك أن ترسمي ما لا روح فيه كالأشجار، والشمس، والقمر ونحو ذلك من مناظر الطبيعة؛ لما ثبت في سنن أبي داود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أتاني جبريل فقال: إني كنت أتيتك البارحة، فلم يمنعني أن أدخل البيت الذي كنت فيه إلا أنه كان في البيت تمثال رجل... إلى قوله: فمر برأس التمثال الذي في البيت يقطع فيصير كهيئة الشجرة... الحديث.
قال في عون المعبود: لأن الشجر ونحوه مما لا روح فيه، لا يحرم صنعته، ولا التكسب به من غير فرق بين الشجرة المثمرة وغيرها. اهـ.
وكذلك لا بأس برسم الصور التي تقتصر على الوجه وحده، أو العين وحدها، أو الجسم وحده دون رأس، فقد صرح أهل العلم بأن حذف جزء من الصورة - لا تتم الحياة إلا به - يخرجها عن الصورة المنهي عنها.
قال ابن قدامة - رحمه الله - في المغني: فإن قطع رأس الصورة، ذهبت الكراهة, قال ابن عباس: الصورة الرأس، فإذا قطع الرأس فليس بصورة, وحكي ذلك عن عكرمة, وقد روي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم -: " أتاني جبريل، فقال: أتيتك البارحة، فلم يمنعني أن أكون دخلت إلا أنه كان على الباب تماثيل، وكان في البيت ستر فيه تماثيل، وكان في البيت كلب، فمر برأس التمثال الذي على الباب فيقطع، فيصير كهيئة الشجر، ومر بالستر فلتقطع منه وسادتان منبوذتان يوطآن، ومر بالكلب فليخرج, ففعل رسول الله صلى الله عليه وسلم" وإن قطع منه ما لا يبقي الحيوان بعد ذهابه، كصدره, أو بطنه، أو جعل له رأس منفصل عن بدنه، لم يدخل تحت النهي؛ لأن الصورة لا تبقى بعد ذهابه، فهو كقطع الرأس, وإن كان الذاهب يبقي الحيوان بعده، كالعين واليد والرجل، فهو صورة داخلة تحت النهي. انتهى.
وننصحك أن تشغلي نفسك بدلا من ذلك بما يعود عليك بالنفع في آخرتك، فقد قال صلى الله عليه وسلم: لا تزول قدم ابن آدم يوم القيامة من عند ربه حتى يسأل عن خمس: عن عمره فيم أفناه، وعن شبابه فيم أبلاه، وماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وماذا عمل فيما علم. رواه الترمذي وحسنه الألباني.
وللفائدة يرجى مراجعة هاتين الفتويين: 128134، 160835.
والله أعلم.