السؤال
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: " أحب الصلاة إلى الله صلاة داود عليه السلام، وأحب الصيام إلى الله صيام داود، وكان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه، ويصوم يوما ويفطر يوما".
كيف نجمع بين هذا الحديث وكون قيام وصيام النبي -صلى الله عليه وسلم- ليس على هذه الصفة.
وهل كان النبي - صلى الله عليه وسلم - ينام بعد قيام الليل قبل الفجر أم يبقى مستيقظا؟
وما هي صفة قيامه - صلى الله عليه وسلم- لليل وقتا وعددا وكيفية؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحكمة من عدم التزام النبي صلى الله عليه وسلم بصيام داود ـ عليه الصلاة والسلام ـ وقيامه ـ مع أفضليتهما ـ قد ذكرها صاحب مرقاة المفاتيح " شرح مشكاة المصابيح " نور الدين الملا الهروي القاري: حيث قال: ولعله صلى الله عليه وسلم ما التزم هذا النوم ليكون قيامه جامعا لمقام سائر الأنبياء، وليهون على أمته في القيام بوظيفة الإحياء (" ويصوم ") ، أي: داود (يوما، ويفطر يوما) : قال ابن الملك: فإن ذلك أشق على النفس ; لأنها تصادف مألوفها في وقت، وتفارقه في وقت. اهـ. ولعل هذا لما لم يكن خاليا عن ألفة النفس في الجملة ما التزم النبي صلى الله عليه وسلم هذا الوصف في صيامه، وقد ورد عن أنس: أنه عليه الصلاة والسلام " كان يصوم من الشهر حتى نرى أن لا يريد أن يفطر منه، ويفطر منه حتى نرى أن لا يريد أن يصوم منه شيئا، وكنت لا تشاء أن تراه من الليل مصليا إلا رأيته مصليا، ولا نائما إلا رأيته نائما " أخرجه الترمذي في الشمائل، فكان عليه الصلاة والسلام أبا الوقت وغير ابن الوقت، فهو حاكم غير محكوم، فكان يفعل العبادات بحسب ما يظهر له من الحكمة في أوقات الطاعات دون الحالات المألوفات والعادات، وإن كانت عادات السادات سادات العادات، والله أعلم. انتهى
وقد ثبت أن النبي صلى الله كان ينام وقت السحر لأجل الاستراحة بعد قيام الليل , جاء في عمدة القاري: قوله: (ما ألفاه السحر عندي إلا نائما) يعني: ما أتى عليه السحر عندي إلا وهو نائم، فعلى هذا كانت صلاته بالليل، وفعله فيه إلى السحر، ويقال: هذا النوم هو النوم الذي كان داود، عليه الصلاة والسلام، ينام، وهو أنه كان ينام أول الليلة ثم يقوم في الوقت الذي ينادي فيه الله عز وجل، هل من سائل؟ ثم يستدرك من النوم ما يستريح به من نصب القيام في الليل، وهذا هو النوم عند السحر، على ما بوب له البخاري، وقال ابن التين: قولها: (إلا نائما) أي: مضطجعا على جنبه، لأنها قالت في حديث آخر: (فإن كنت يقظانة حدثني وإلا اضطجع حتى يأتيه المنادي للصلاة) ، فيحصل بالضجعة الراحة من نصب القيام، ولما يستقبله من طول صلاة الصبح، فلهذا كان ينام عند السحر. انتهى وراجع المزيد في الفتوى رقم :57377.
ووقت قيامه صلى الله عليه وسلم كان يختلف باختلاف الأوقات فربما قام أول الليل, وربما وسطه, ربما آخره, جاء في فتح الباري: قوله: ما كنت أحب أن أراه من الشهر صائما إلا رأيته يعني أن حاله في التطوع بالصيام والقيام كان يختلف، فكان تارة يقوم من أول الليل، وتارة في وسطه، وتارة من آخره، كما كان يصوم تارة من أول الشهر، وتارة من وسطه، وتارة من آخره، فكان من أراد أن يراه في وقت من أوقات الليل قائما أو في وقت من أوقات الشهر صائما فراقبه المرة بعد المرة فلا بد أن يصادفه قام أو صام على وفق ما أراد أن يراه. هذا معنى الخبر، وليس المراد أنه كان يسرد الصوم، ولا أنه كان يستوعب الليل قياما. انتهى
أما عدد قيامه صلى الله عليه وسلم فقد قال عنه النووي في شرح صحيح مسلم : (باب صلاة الليل وعدد ركعات النبي صلى الله عليه وسلم في الليل) .قال ..وذكر البخاري ومسلم بعد هذا من حديث ابن عباس أن صلاته صلى الله عليه وسلم من الليل ثلاث عشرة ركعة، وركعتين بعد الفجر سنة الصبح، وفي حديث زيد بن خالد أنه صلى الله عليه وسلم صلى ركعتين خفيفتين ثم طويلتين، وذكر الحديث وقال في آخره: فتلك ثلاث عشرة. قال القاضي: قال العلماء في هذه الأحاديث إخبار كل واحد من ابن عباس وزيد وعائشة بما شاهد. انتهى.
وعن كيفية قيام الليل راجع الفتوى رقم : 53992.
والله أعلم.