حكم المزح بالماء، ومدى صحة قصة مزح عائشة وسودة بحضرة رسول الله

0 421

السؤال

كنا نتوضأ فغرفت غرفة ماء بيدي ورميتها في وجه صديقي من باب المزح، فقال: لا يجوز اللعب بالماء، وإن كان بالقليل منه، فقلت له: لقد سمعت أن عائشة ـ رضي الله عنها ـ كبت شيئا في وجه سودة - رضي الله عنها - فوضع النبي صلى الله عليه وآله وسلم رجله على سودة، وقال: اقذفي هذا في وجه عائشة ـ فهل هذا الخبر صحيح؟ أعتقد أن أخي قرأها لي وأنا صغير من كتاب قصص مزح فيها الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وهل فعلي خاطئ؟ أم ماذا؟ وما هو وجه الجمع بين الفعلين - جزاكم الله خيرا -؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فما تشير إليه من حديث مزح عائشة مع سودة ـ رضي الله عنهما ـ في حضور النبي صلى الله عليه وسلم قد رواه النسائي في السنن الكبرى، وأبو يعلى في مسنده، وغيرهما: أن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بخزيرة قد طبختها له، فقلت لسودة ـ والنبي صلى الله عليه وسلم بيني وبينها: كلي، فأبت، فقلت: لتأكلن، أو لألطخن وجهك، فأبت، فوضعت يدي في الخزيرة، فطليت وجهها، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم، فوضع بيده لها، وقال لها: الطخي وجهها، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم لها، فمر عمر، فقال: يا عبد الله، يا عبد الله، فظن أنه سيدخل، فقال: قوما فاغسلا وجوهكما، فقالت عائشة: فما زلت أهاب عمر لهيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهذا لفظ أبي يعلى، والخزيرة ـ بفتح الخاء المعجمة، وكسر الزاي، وفتح الراء المهملة ـ هو حساء يعمل بلحم، قال الهيثمي في مجمع الزوائد: رواه أبو يعلى، ورجاله رجال الصحيح، خلا محمد بن عمرو بن علقمة، وحديثه حسن ـ وقال العراقي في تخريج الإحياء: رواه الزبير بن بكار في كتاب الفكاهة والمزاح، وأبو يعلى بإسناد جيد ـ وحسن إسناده الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة.

ومثل هذا المزح بالماء القليل لا يعد من التبذير، ولا حرج في المزاح، ما لم يكن ذلك على وجه المواظبة عليه، والإفراط فيه، وما لم يكن فيه أذى لمن تمازحه، قال الغزالي في إحياء علوم الدين: فاعلم أن المنهي عنه ـ أي: المزاح ـ الإفراط فيه، أو المداومة عليه، أما المداومة: فلأنه اشتغال باللعب، والهزل فيه، واللعب مباح، ولكن المواظبة عليه مذمومة، وأما الإفراط فيه: فإنه يورث كثرة الضحك، وكثرة الضحك تميت القلب، وتورث الضغينة في بعض الأحوال، وتسقط المهابة والوقار، فما يخلو عن هذه الأمور فلا يذم، كما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إني لأمزح، ولا أقول إلا حقا. انتهى.

ثم قال - رحمه الله -: فإن قلت: قد نقل المزاح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه فكيف ينهى عنه؟ فأقول: إن قدرت على ما قدر عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وهو أن تمزح، ولا تقول إلا حقا، ولا تؤذي قلبا، ولا تفرط فيه، وتقتصر عليه أحيانا على الندور، فلا حرج عليك فيه، ولكن من الغلط العظيم أن يتخذ الإنسان المزاح حرفة يواظب عليه، ويفرط فيه، ثم يتمسك بفعل الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو كمن يدور نهاره مع الزنوج ينظر إليهم، وإلى رقصهم، ويتمسك بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن لعائشة في النظر إلى رقص الزنوج في يوم عيد، وهو خطأ. انتهى.

وللفائدة يرجى مراجعة الفتويين رقم: 138384، ورقم: 190475.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة