السؤال
أنا لاجئة عراقية، من أهل السنة والجماعة، تركت العراق؛ بسبب ما نتعرض له من ظلم، من الحكومة الطائفية. بعد قتل أخي من قبل المليشيات، والتهديدات المتواصلة لنا اضطررنا لبيع كل ما نملك، وما نستطيع بيعه، وأخذنا ما نملك معنا، وذهبنا إلى تركيا، ولجأنا للأمم المتحدة، لكن الحكومة التركية هنا تسحب الجواز الخاص بنا، وتحدد محافظة محددة للسكن فيها، ولا تمنحنا أي مساعدات مادية بتاتا، بل تمنع العمل عنا، وأي شخص يعمل ويخالف القانون يغرم غرامات مادية كبيرة، ونحن في انتظار أن يحول ملفنا إلى دولة من دول الاستيطان، وسؤالي - يرحمك الله -: المال الذي لدينا بلغ النصاب، ونحن لا نعمل، ولا نحصل على أية معونة حاليا، فهل يجب أن نخرج زكاته، علما أن بعض أهلنا يرسلون لنا أموال زكاتهم؛ لأنه ليس لنا عمل، أو أي مورد، أفتونا - يرحمكم الله - علما أن فترة بقاء اللاجئ العراقي في تركيا تبدأ من سنة ونصف، وتمتد إلى ما شاء الله، فالمال الذي نملكه هو كل ما نملك، ولفترة غير محدودة، فهل يجب علينا إخراج الزكاة في وضعنا الحالي؟ وهل يمكن أن نأخذ مال الزكاة المرسل لنا من خارج تركيا من أقربائنا؟ مع جزيل الشكر - بارك الله فيكم -.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه، ومن والاه، أما بعد:
فما دام المال قد بلغ النصاب، فإنه إذا حال عليه الحول، ولم ينقص عن النصاب، وجب على مالكه إخراج زكاته, وكون الشخص يتلقى المساعدات، ونحو ذلك، لا يسقط وجوب إخراج الزكاة.
ومن المعلوم أن الشخص الواحد قد يكون دافعا للزكاة، وآخذا لها في نفس الوقت؛ لأنه إذا كان ما عنده يبلغ النصاب، وهو أيضا لا يكفيه لنفقته، وجب عليه إخراج الزكاة لتوافر شروطها في ماله، وجاز له أخذ الزكاة؛ لأنه مسكين، أو فقير لا يجد كفايته, وليس ملك النصاب حدا للغنى المانع من أخذ الزكاة في قول جمهور أهل العلم.
جاء في الموسوعة الفقهية: فقال الجمهور من المالكية، والشافعية، وهو رواية عن أحمد قدمها المتأخرون من أصحابه: إن الأمر معتبر بالكفاية، فمن وجد من الأثمان، أو غيرها ما يكفيه، ويكفي من يمونه، فهو غني لا تحل له الزكاة، فإن لم يجد ذلك، حلت له، ولو كان ما عنده يبلغ نصبا زكوية، وعلى هذا، فلا يمتنع أن يوجد من تجب عليه الزكاة، وهو مستحق للزكاة. اهــ.
وهذا قول الظاهرية أيضا، قال ابن حزم في المحلى: من كان له مال مما يجب فيه الصدقة، كمائتي درهم، أو أربعين مثقالا، أو خمس من الإبل، أو أربعين شاة، أو خمسين بقرة، أو أصاب خمسة أوسق من بر، أو شعير، أو تمر، وهو لا يقوم ما معه بعولته؛ لكثرة عياله، أو لغلاء السعر: فهو مسكين، يعطى من الصدقة المفروضة، وتؤخذ منه فيما وجبت فيه من ماله. اهــ.
فإذا أخرجتم زكاة مالكم، وكان ما بقي عندكم لا يكفي نفقة سنة، فيجوز لكم أن تأخذوا من الزكاة ما يكمل كفاية نفقة سنة، وقيل ما يغني مطلقا، والأول قول الجمهور؛ لأن الزكاة تتكرر كل عام، كما بيناه في الفتوى رقم: 129347.
والحاصل أن عليكم أن تدفعوا زكاة ما عندكم إذا حال عليه الحول وهو بالغ نصابا, ولكم أن تأخذوا الزكاة ما دام ما عندكم لا يكفي لنفقة سنة.
وإذا أخرجتم زكاة المال فعسى الله تعالى أن يخلف عليكم خيرا منه، ويسد حاجتكم؛ وقد قال تعالى: وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين {سبأ : 39}. وفي الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبدا بعفو، إلا عزا، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله. رواه مسلم، والترمذي، واللفظ لمسلم.
فثقوا بالله تعالى، وأخرجوا زكاة مالكم, واعلموا أن ما يصيبكم من البلاء يرجى أن يكون كفارة لسيئاتكم، ورفعة في درجاتكم؛ فإن المصائب في الدنيا كفارة ورفعة للمسلم، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: أمتي هذه أمة مرحومة، ليس عليها عذاب في الآخرة، عذابها في الدنيا الفتن، والزلازل، والقتل. رواه أبو داود، والحاكم، وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي، والألباني.
ونسأله عز وجل بأسمائه الحسنى، وصفاته العلى أن يجعل لكم من كربكم فرجا، ومن الضيق مخرجا، ومن عسركم يسرا، وأن يصلح أحوال المسلمين جميعا، وأن يولي عليهم خيارهم.
والله أعلم.