السؤال
لماذا دفنت فاطمة الزهراء في الليل؟ ولماذا صلى عليها أقاربها؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد ماتت فاطمة -رضي الله عنها- ليلا، ودفنها علي -رضي الله عنه-، ولم يؤذن بذلك أبا بكر -رضي الله عنه-، والسبب في ذلك ما حدث بين أبي بكر وفاطمة لما جاءته مطالبة بميراثها من رسول الله، فأخبرها بما سمع من رسول الله أنه قال: إنا لا نورث ما تركناه صدقة.
وفي البخاري ومسلم وغيرهما عن مالك بن أوس قال: بينا أنا جالس في أهلي حين متع النهار إذا رسول عمر بن الخطاب يأتيني، فقال: أجب أمير المؤمنين، فانطلقت معه حتى أدخل على عمر فإذا هو جالس على رمال سرير ليس بينه وبينه فراش، متكئ على وسادة من أدم، فسلمت عليه ثم جلست، فقال: يا مالك إنه قدم علينا من قومك أهل أبيات، وقد أمرت فيهم برضخ فاقبضه فاقسمه بينهم، فقلت: يا أمير المؤمنين لو أمرت به غيري، قال: اقبضه أيها المرء، فبينا أنا جالس عنده أتاه حاجبه يرفأ فقال: هل لك في عثمان وعبد الرحمن بن عوف والزبير وسعد بن أبي وقاص يستأذنون؟ قال: نعم، فأذن لهم، فدخلوا، فسلموا وجلسوا، ثم جلس يرفأ يسيرا، ثم قال: هل لك في علي وعباس قال: نعم، فأذن لهما، فدخلا، فسلما فجلسا، فقال عباس: يا أمير المؤمنين، اقض بيني وبين هذا، وهما يختصمان فيما أفاء الله على رسوله -صلى الله عليه وسلم- من مال بني النضير، فقال الرهط عثمان وأصحابه: يا أمير المؤمنين اقض بينهما وأرح أحدهما من الآخر، قال عمر: تيدكم أنشدكم بالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض هل تعلمون أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: لا نورث ما تركنا صدقة. -يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه- قال الرهط: قد قال ذلك، فأقبل عمر على علي وعباس فقال: أنشدكما الله، أتعلمان أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد قال ذلك؟ قالا: قد قال ذلك، قال عمر: فإني أحدثكم عن هذا الأمر إن الله قد خص رسوله -صلى الله عليه وسلم- في هذا الفيء بشيء لم يعطه أحدا غيره، ثم قرأ: وما أفاء الله على رسوله منهم... [الحشر:6] إلى قوله: قدير، فكانت هذه خالصة لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، والله ما احتازها دونكم، ولا استأثر بها عليكم، قد أعطاكموها وبثها فيكم حتى بقي منها هذا المال، فكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينفق على أهل نفقة سنتهم من هذا المال، ثم يأخذ ما بقي فيجعله مجعل مال الله، فعمل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بذلك حياته، أنشدكم بالله هل تعلمون ذلك؟ قالوا: نعم، ثم قال لعلي وعباس: أنشدكما بالله هل تعلمان ذلك؟ قال عمر: ثم توفى الله نبيه -صلى الله عليه وسلم- فقال أبو بكر: أنا ولي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقبضها أبو بكر، فعمل فيها بما عمل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، والله يعلم إنه فيها لصادق بار راشد تابع للحق، ثم توفى الله أبا بكر، فكنت أنا ولي أبي بكر، فقبضتها سنتين من إمارتي أعمل فيها بما عمل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وما عمل فيها أبو بكر، والله يعلم إني فيها لصادق بار راشد تابع للحق، ثم جئتماني تكلماني وكلمتكما واحدة وأمركما واحد، جئتني يا عباس تسألني نصيبك من ابن أخيك، وجاءني هذا -يريد عليا- يريد نصيب امرأته من أبيها، فقلت لكما: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: لا نورث ما تركنا صدقة.
فلما بدا لي أن أدفعه إليكما قلت: إن شئتما دفعتها إليكما على أن عليكما عهد الله وميثاقه لتعملان فيها بما عمل فيها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وبما عمل فيها أبو بكر، وبما عملت فيها منذ وليتها، فقلتما: ادفعها إلينا، فبذلك دفعتها إليكما، فأنشدكم بالله هل دفعتها إليهما بذلك؟ قال الرهط: نعم، ثم أقبل على علي وعباس فقال: أنشدكما بالله هل دفعتها إليكما بذلك؟ قالا: نعم، قال: فتلتمسان مني قضاء غير ذلك، فوالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض لا أقضي فيها قضاء غير ذلك، فإن عجزتما عنها فادفعاها إلي فإني أكفيكماها.
قال الإمام النووي في شرح مسلم: قال العلماء: والحكمة في أن الأنبياء -صلوات الله عليهم- لا يورثون، أنه لا يؤمن أن يكون في الورثة من يتمنى موته فيهلك. ولئلا يظن بهم الرغبة في الدنيا لوارثه فيهلك الظان، وينفر الناس عنه. اهـ.
قال الإمام الذهبي في السير 2/118: فاطمة بنت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سيدة نساء العالمين في زمانها البضعة النبوية والجهة المصطفوية.
وقال ص119: وقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يحبها ويكرمها ويسر إليها، ومناقبها غزيرة، وكانت صابرة دينة خيرة صينة قانعة شاكرة لله.
وقال ص120: ولما توفي أبوها تعلقت آمالها بميراثه، وجاءت تطلب ذلك من أبي بكر الصديق، فحدثها أنه سمع من النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: لا نورث ما تركناه صدقة. فوجدت عليه ثم تعللت.
روى إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي قال: لما مرضت فاطمة أتى أبو بكر فاستأذن فقال علي: يا فاطمة هذا أبو بكر يستأذن عليك، فقالت: أتحب أن آذن له؟ قال: نعم. قلت: عملت السنة -رضي الله عنها-، فلم تأذن في بيت زوجها إلا بأمره. قال: فأذنت له فدخل عليها يترضاها، وقال: والله ما تركت الدار والمال والأهل والعشيرة إلا ابتغاء مرضاة الله ورسوله ومرضاتكم أهل البيت، قال: ثم ترضاها حتى رضيت. اهـ.
وقال الإمام ابن كثير في البداية والنهاية 5/286: وأما تغضب فاطمة -رضي الله عنها وأرضاها- على أبي بكر -رضي الله عنه وأرضاه-، فما أدري ما وجهه، فإن كان لمنعه إياها ما سألته من الميراث؟ فقد اعتذر إليها بعذر يجب قبوله، وهو ما رواه عن أبيها رسول الله أنه قال: لا نورث ما تركنا صدقة.
وهي ممن تنقاد لنص الشارع الذي خفي عليها قبل سؤالها الميراث كما خفي على أزواج النبي حتى أخبرتهن عائشة بذلك ووافقنها عليه، وليس يظن بفاطمة -رضي الله عنها- أنها اتهمت الصديق -رضي الله عنه- فيما أخبرها به، حاشاها وحاشاه من ذلك، كيف وقد وافقه على رواية هذا الحديث عمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب، والعباس بن عبد المطلب، وعبد الرحمن بن عوف، وطلحة بن عبيد الله، والزبير بن العوام، وسعد بن أبي وقاص، وأبو هريرة، وعائشة -رضي الله عنهم أجمعين -كما سنبينه قريبا- ولو تفرد بروايته الصديق -رضي الله عنه-؛ لوجب على جميع أهل الأرض قبول روايته والانقياد له في ذلك.
وإن كان غضبها لأجل ما سألت الصديق، إذ كانت هذه الأراضي صدقة لا ميراثا، أن يكون زوجها ينظر فيها فقد اعتذر بما حاصله أنه لما كان خليفة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فهو يرى أن فرضا عليه أن يعمل بما كان يعمله رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ويلي ما كان يليه رسول الله، ولهذا قال: وإني والله لا أدع أمرا كان يصنعه فيه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلا صنعته، قال: فهجرته فاطمة فلم تكلمه حتى ماتت، وهذا الهجران والحالة هذه فتح على الفرقة الرافضة شرا عريضا وجهلا طويلا، وأدخلوا أنفسهم بسببه فيما لا يعنيهم، ولو تفهموا الأمور على ما هي عليه لعرفوا للصديق فضله وقبلوا منه عذره الذي يجب على كل أحد قبوله، ولكنهم يتمسكون بالمتشابه، ويتركون الأمور المحكمة المقدرة عند أئمة الإسلام من الصحابة والتابعين فمن بعدهم من العلماء المعتبرين في سائر الأعصار والأمصار -رضي الله عنهم وأرضاهم أجمعين-. اهـ.
والله أعلم.