السؤال
في بداية التزامي، فهمت من كلام العلماء أن أحفظ القرآن أولا، ثم أتعلم، وكنت أعيش في البيت وحيدا، ولم أكن أجد شيئا أفعله سوى الحفظ، وكنت أضغط على نفسي كثيرا في الحفظ؛ لدرجة الإرهاق، حتى وصلت لمرحلة أني قلت للشيخ: (أنا زهقت من القرآن)، فما حكم هذه الكلمة؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فكلمة "زهق" في العرف يعنى بها الملل.
جاء في معجم اللغة العربية المعاصرة: زهق من العمل: سئم منه ومل. اهـ.
وهذا اللفظ يجوز استعماله عموما؛ ففي الصحيحين عن عائشة -رضي الله عنها- أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحتجر حصيرا بالليل فيصلي، ويبسطه بالنهار فيجلس عليه، فجعل الناس يثوبون إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيصلون بصلاته حتى كثروا، فأقبل، فقال: يا أيها الناس، خذوا من الأعمال ما تطيقون، فإن الله لا يمل حتى تملوا، وإن أحب الأعمال إلى الله ما دام، وإن قل.
قال ابن رجب في الفتح: الملل والسآمة للعمل يوجب قطعه وتركه، فإذا سئم العبد من العمل ومله، قطعه، وتركه، فقطع الله عنه ثواب ذلك العمل؛ فإن العبد إنما يجازى بعمله، فمن ترك عمله انقطع عنه ثوابه، وأجره إذا كان قطعه لغير عذر من مرض، أو سفر، أو هرم. انتهى.
وجاء في فيض القدير للمناوي تعليقا على حديث: اقرؤوا القرآن ما ائتلفت عليه قلوبكم، فإذا اختلفتم فيه فقوموا. رواه أحمد، وابن ماجه، وصححه الألباني: (اقرأوا القرآن) أي: داوموا على قراءته (ما ائتلفت) أي: ما اجتمعت (عليه قلوبكم) أي: ما دامت قلوبكم تألف القرآن: يعني اقرؤوه على نشاط منكم، وخواطركم مجموعة (فإذا اختلفتم فيه) بأن مللتم، أو صارت قلوبكم في فكرة شيء سوى قراءتكم، وحصلت القراءة بألسنتكم مع غيبة قلوبكم، فلا تفهمون ما تقرؤون (فقوموا) عنه: أي: اتركوه إلى وقت تعودون في محبة قراءته إلى الحالة الأولى؛ فإنه أعظم من أن يقرأه أحد من غير حضور قلب. انتهى.
فالعبد قد يمل من العبادة، وإن كان الأدب يقتضي ترك هذه الألفاظ، إعظاما للقرآن؛ فلا يقول: مللت، أو زهقت من القرآن، وأخف منها أن يقول: مللت قراءة القرآن.
وراجع للفائدة الفتاوى: 150539، 131435، 217780.
والله أعلم.