السؤال
الآية القرآنيه تقول " إن أوهن البيوت لبيت العنكبوت " لكن لقد قرأت أن العلماء اكتشفوا أن خيطا من خيوط العنكبوت أقوى من خيط فولاذ بنفس الغلظ فما هو المعنى ؟ ولكم جزيل الشكر .......
الآية القرآنيه تقول " إن أوهن البيوت لبيت العنكبوت " لكن لقد قرأت أن العلماء اكتشفوا أن خيطا من خيوط العنكبوت أقوى من خيط فولاذ بنفس الغلظ فما هو المعنى ؟ ولكم جزيل الشكر .......
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فيقول الله تعالى: مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء كمثل العنكبوت اتخذت بيتا وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون* إن الله يعلم ما يدعون من دونه من شيء وهو العزيز الحكيم* وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون [العنكبوت]
وهذا تشبيه تمثيلي بليغ، شبه فيه المشركون في اعتمادهم على آلهتهم واغترارهم بها، بحال العنكبوت تتخذ لنفسها بيتا تحسب أنها تعتصم به من أن يعتدى عليها، فإذا هو لا يصمد ولا يثبت لأضعف تحريك، فيسقط ويتمزق.
قال ابن عاشور رحمه الله في كتابه التحرير والتنوير: وهذه الهيئة المشبه بها مع الهيئة المشبهة قابلة لتفريق التشبيه على أجزائها، فالمشركون أشبهوا العنكبوت في الغرور بما أعدوه، وأولياؤهم أشبهوا ببيت العنكبوت في عدم الغناء عمن اتخذوها وقت الحاجة إليها، وتزول بأقل تحريك، وأقصى ما ينتفعون به منها نفع ضعيف وهو السكن فيها وتوهم أن تدفع عنهم، كما ينتفع المشركون بأوهامهم في أصنامهم، وهو تمثيل بديع من مبتكرات القرآن كما سيأتي قريبا عند قوله: وتلك الأمثال نضربها للناس [العنكبوت:43]. انتهى
وقال الزركشي رحمه الله في كتابه البرهان في علوم القرآن:
لا يجوز تعدي أمثلة القرآن ولذلك أنكر على الحريري في قوله في مقامته الخامسة عشرة فأدخلني بيتا أحرج من التابوت وأوهى من بيت العنكبوت فأي معنى أبلغ من معنى أكده الله من ستة أوجه حيث قال {وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت} فأدخل إن وبنى أفعل التفضيل وبناه من الوهن وأضافه إلى الجمع وعرف الجمع باللام وأتى في خبر إن باللام وقد قال تعالى: {وإذا قلتم فاعدلوا} وكان اللائق بالحريري ألا يتجاوز هذه المبالغة وما بعد تمثيل الله تمثيل وقول الله أقوم قيل وأوضح سبيل ولكن قال الله تعالى: {إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة} وقد ضرب النبي صلى الله عليه وسلم مثالا لما دون ذلك فقال: "لو كانت الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة " ... انتهى.
وقد بان من هذا أن بيت العنكبوت هو الموصوف بالوهن، والضعف، وهذا مشاهد معلوم لا يكابر فيه أحد، فإنه يزول بنفخة هواء، ولا علاقة لهذا بكون خيوطه المفردة قوية أو ضعيفة، وإنما المراد أن هيئته المجتمعة ضعيفة واهنه لا أوهن منها. فلو ثبت أن خيط العنكبوت أقوى من خيط الفولاذ لم يكن في هذا معارضة لما ذكره رب العالمين سبحانه.
ونشير هنا إلى أن بعض الباحثين توصل إلى أن أنثى العنكبوت هي التي تغزل البيت، وترغب الذكر بالدخول إليه، وتقوم أمامه بحركات مغرية، وتسمعه بعض الألحان الطنانة، فيأوي إلى بيتها، فإذا لقحها، افترسته وأكلته، ثم تأكل أولادها من بعده، ويأكل أولادها بعضهم بعضا، فضعف البيت معنوي أيضا، لضعف علاقته الداخلية، وصدق الله: وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون [العنكبوت:41].
فهو بيت واهن حسيا ومعنويا.
والله أعلم.