السؤال
لدي سؤال حول كتابة القرآن في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم. فقد كنت أناقش مع شخص غير مسلم موضوع صدق الإسلام، وأنه الدين الحق من عند الله, فذكرت له خلو القرآن الكريم من التناقض، وحكمه العظيمة، وما فيه من إشارات، وغير ذلك من الدلائل والآيات، وقلت له استنكارا: هل كان عند محمد صلى الله عليه وسلم في بيته مكتبة ضخمة، أو مئات الأوراق والأقلام حتى يستطيع أن ينظر فيها ويرتبها بهذا الترتيب المذهل ويذكر كل هذه الأشياء؟ وحصل أني اطلعت على كتاب مناهل العرفان للزرقاني, وذكر فيه أنه كان يكتب القرآن فيما تيسر، ثم يوضع المكتوب في بيت الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا بأس، فهذا -إن صح- لا يجيب عن سؤال: من أين لمحمد صلى الله عليه وسلم كل هذه المعلومات من الغيب، والعلم، وغيره، لكني أردت السؤال هل ما ذكره الزرقاني صحيح؟ وهل يجب علي ذكر ذلك للشخص؟ فأنا أريد الأمانة في التبليغ عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وشكرا.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالجزم بأن كل القرآن كان موضوعا في بيت النبي عليه الصلاة والسلام مما يحتاج إلى دليل لثبوته؛ فإنه قد ورد في السنة ما يدل بظاهره على خلاف ذلك، ففي صحيح البخاري أن زيد بن ثابت -رضي الله عنه- قال: أرسل إلي أبو بكر مقتل أهل اليمامة فإذا عمر بن الخطاب عنده، قال أبو بكر -رضي الله عنه-: إن عمر أتاني فقال: إن القتل قد استحر يوم اليمامة بقراء القرآن، وإني أخشى أن يستحر القتل بالقراء بالمواطن فيذهب كثير من القرآن، وإني أرى أن تأمر بجمع القرآن، قلت لعمر: كيف تفعل شيئا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال عمر: هذا والله خير، فلم يزل عمر يراجعني حتى شرح الله صدري لذلك، ورأيت في ذلك الذي رأى عمر، قال زيد: قال أبو بكر: إنك رجل شاب عاقل لا نتهمك، وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم فتتبع القرآن فاجمعه، فوالله لو كلفوني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل علي مما أمرني به من جمع القرآن، قلت: كيف تفعلون شيئا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: هو والله خير، فلم يزل أبو بكر يراجعني حتى شرح الله صدري للذي شرح له صدر أبي بكر وعمر -رضي الله عنهما- فتتبعت القرآن أجمعه من العسب، واللخاف، وصدور الرجال، حتى وجدت آخر سورة التوبة مع أبي خزيمة الأنصاري لم أجدها مع أحد غيره (لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم) حتى خاتمة براءة، فكانت الصحف عند أبي بكر حتى توفاه الله، ثم عند عمر حياته، ثم عند حفصة بنت عمر -رضي الله عنه-.
والشاهد من هذا هو أمر أبي بكر لزيد بتتبع القرآن، ثم تتبع زيد له، ثم بحثه عن آخر سورة براءة، وعدم عثوره عليها إلا عند أبي خزيمة، فلو كان القرآن كله موضوعا في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم لما كانت هناك حاجة إلى أمر أبي بكر لزيد بتتبعه، ولما تتبعه زيد، بل كان سيكتفي بجمع ما في بيت النبي عليه الصلاة والسلام، ولما عجز أن يجد آخر سورة التوبة مكتوبا في بيت النبوة.
وأما ما ذكره صاحب مناهل العرفان، وسبقه إليه الحارث المحاسبي في كتاب فهم السنن، فلا يلزم منه أن يكون كل المكتوب قد وضع في بيت النبوة؛ لما سبق أن ذكرنا، ولأن مجرد أمر النبي عليه الصلاة والسلام بكتابة الوحي لا يلزم منه بقاء المكتوب عنده في بيته، فالجزم بذلك يحتاج إلى ثبوته دليل واضح.
وفي مشاركة بملتقى أهل التفسير في نقد كتاب (جمع القرآن) للمستشرق جون جلكرايست: قال الشيخ مساعد الطيار جوابا عن سؤال: "هل ترك النبي صلى الله عليه وسلم القرآن مجموعا في مكان واحد، وليكن هذا المكان بيوته صلى الله عليه وسلم كما ذكر بعض العلماء؟....
والجواب - من وجهة نظري - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد مات والقرآن الكريم غير مجموع في مكان واحد، لا في بيته، ولا خارجه، وأدلتي على ذلك متعددة..."إلخ..
ولمزيد الفائدة عن جمع القرآن راجع الفتوى رقم: 69514.
فلا يلزمك إخبار الشخص المذكور بذلك؛ حيث إنك لم تخطئ في نفيك لوجود مكتبة ضخمة في بيت النبوة، ولا في نفي وجود مئات الأقلام والأوراق فيه؛ لأن ما وضع في بيت النبوة لا يصح وصفه بأنه مكتبة ضخمة، كما أنه لا يستدعي وجود مئات الأقلام والأوراق، ثم إن الظاهر من كلامك معه أنك كنت تريد الاستدلال على صدق ما جاء به النبي عليه الصلاة والسلام بعدم اطلاعه على كتب الناس قبله، وعدم اشتغاله بالكتابة التصنيف، وأما ما وضع في بيت النبوة، فكان تدوينا لما جاء به النبي عليه الصلاة والسلام، وليس مصدرا لتأليفه وكتابته، فلا يعكر على كلامك الأول.
والله أعلم.