الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فلا حرج في استعمال حرف النداء "يا" في الدعاء، وفي ذلك أحاديث وآثار كثيرة ملأت كتب الدعوات، كالدعوات الكبير للبيهقي، والدعاء للطبراني، وغيرهما.
فقد روى مسلم عن عائشة، قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا سلم لم يقعد إلا مقدار ما يقول: اللهم أنت السلام ومنك السلام، تباركت ذا الجلال والإكرام. وفي رواية ابن نمير: يا ذا الجلال والإكرام.
وروى أحمد وأبو داود عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في حلقة، ورجل قائم يصلي، فلما ركع، وسجد، تشهد ودعا، فقال في دعائه: اللهم إني أسألك بأن لك الحمد، لا إله إلا أنت، بديع السماوات والأرض، يا ذا الجلال والإكرام، يا حي يا قيوم. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لقد دعا باسم الله الأعظم، الذي إذا دعي به أجاب، وإذا سئل به أعطى. ورواه الحاكم، وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه. وروى أحمد والترمذي، وغيرهما عن ربيعة بن عامر، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ألظوا بيا ذا الجلال والإكرام. صححه الألباني.
وروى ابن أبي شيبة عن عبد الله بن مسعود، قال: ما دعا قط عبد بهذه الدعوات إلا وسع الله عليه في معيشته: يا ذا المن فلا يمن عليك، يا ذا الجلال والإكرام، يا ذا الطول والإنعام، لا إله إلا أنت، ظهر اللاجئين، وجار المستجيرين، ومأمن الخائفين، إن كتبتني عندك في أم الكتاب شقيا، فامح عني اسم الشقاء، وأثبتني عندك سعيدا موفقا للخير، فإنك تقول في كتابك: يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب.
وروى ابن أبي حاتم في تفسيره عن مجاهد، قوله: الذي عنده علم من الكتاب {النمل:40}: الاسم الذي إذا دعي به أجاب، وهو يا ذا الجلال والإكرام. اهـ.
وروى الترمذي عن عبد الله بن أبي أوفى، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من كانت له إلى الله حاجة، أو إلى أحد من بني آدم، فليتوضأ وليحسن الوضوء، ثم ليصل ركعتين، ثم ليثن على الله، وليصل على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم ليقل: لا إله إلا الله الحليم الكريم، سبحان الله رب العرش العظيم، الحمد لله رب العالمين، أسألك موجبات رحمتك، وعزائم مغفرتك، والغنيمة من كل بر، والسلامة من كل إثم، لا تدع لي ذنبا إلا غفرته، ولا هما إلا فرجته، ولا حاجة هي لك رضا، إلا قضيتها يا أرحم الراحمين. هذا حديث غريب وفي إسناده مقال، فائد بن عبد الرحمن يضعف في الحديث، وفائد هو أبو الورقاء. ضعفه الألباني.
وروى الترمذي عن أنس بن مالك، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا كربه أمر قال: يا حي يا قيوم، برحمتك أستغيث. حسنه الألباني.
وروى الطبراني، والبيهقي في الشعب. أنس بن مالك يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا فاطمة لا يمنعك أن تسمعي ما أوصيك به أن تقولي: يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث، فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين، وأصلح لي شأني كله. حسنه الألباني.
والوارد عن السلف الصالح في ذلك لا يحصى؛ فلا حرج البتة أن يقولها العبد.
وأما بخصوص إيثار القرآن للتعبير بـ"رب" مع حذف"يا" في أدعية الأنبياء؛ فهذا غالب لا كلي، ولا يدل على المنع؛ لما سبق من الأدلة.
يقول د. عبد العظيم المطعني في خصائص التعبير القرآني: وقد التزم القرآن الكريم حذف أداة النداء "الياء" مع كلمة "رب" خاصة في كل موضع وردت فيه على هذا الوجه إلا في موضعين:
الآية (30) من سورة الفرقان. وهي قوله: (وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا) (30) .
والآية (88) من سورة الزخرف، وهي قوله: (وقيله يا رب إن هؤلاء قوم لا يؤمنون) (88) .
وقد اهتدى الدكتور بدوي إلى تعليل مقبول لسر حذف أداة النداء "الياء" مع "رب" إذ يرى أن سر الحذف فيه للمبالغة في تصوير قرب المنادى"رب" حيث إن معناه: المربي، والسيد، والمالك. وهو بهذه المعاني من شأنه أن يكون قريبا، حاضرا لا يحتاج في ندائه إلى وسائط.
ونضيف إلى ما ذكره الدكتور بدوي: إن هذه الكلمة "رب" أكثر استعمالا من غيرها في الدعاء. فروعي فيها من جهات التخفيف، ما يجعلها أطوع في الألسنة، وأسهل في مجارى الحديث.
ولم يقتصر حذف أداة النداء في القرآن الكريم على كلمة "رب" فحسب، بل جاء ذلك في مواضع كثيرة غيرها مثل: (يس (1) والقرآن الحكيم (2) .ومثل: (طه (1) ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى (2) .ومثل: (يوسف أعرض عن هذا) . والأصل يا يس، ويا طه، ويا يوسف. . وقد كسا الحذف - هنا - العبارات فخامة، وخلابة. انتهى.
وراجع للفائدة الفتوى رقم: 78789.
والله أعلم.