السؤال
عندي سؤال أرجو الإجابة عنه بالتفصيل. لي أخ يقول: لوالدتي سأسافر في الفترة القادمة إلى البلد الفلاني، ووالدتي تمنعه لأسباب غير مقنعة، وهو يقول لها: "لم يجعل الله لك سلطانا علي في هذه المسألة، وأنه إن لم يطعها في هذه المسألة فهذا ليس بعقوق، ولا أدري كيف أقنعه -جزاكم الله خيرا-؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحكم على مدى سلطة الأم على منع ولدها من السفر، ولزوم طاعتها في ذلك يختلف باختلاف نوع السفر، فإن كان السفر سفر معصية، كسفر من لا يأمن على دينه الفتنة إلى بلاد الكفار، فلا يحل له هذا السفر، فإن فعل كان عاصيا لله أولا، وعاقا لأمه ثانيا، وينظر في شروط جواز السفر إلى بلاد الكفار، والإقامة فيها الفتوى رقم: 216610.
وإن كان السفر سفرا للقيام بواجب عيني، فلا سلطان للأم في منع ابنها منه، قال الرحيباني: وحرم طاعتهما ـ أي: والديه ـ في معصية, كترك حج وسفر لعلم واجبين؛ لحديث: لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. اهـ.
وإن كان السفر سفر طاعة، كسفر التطوع للعمرة المستحبة، أو كالسفر لأداء واجب كفائي، كما لو كان الجهاد فرض كفاية، فينظر حكمه في الفتوى رقم: 22708.
وإن كان السفر سفرا مباحا، كالسفر للدراسة، أو للعمل والتجارة، فإن احتاج إليه لإكمال دراسته، أو للتكسب لمعيشته، ولا بديل له في دار إقامته، وكان السفر آمنا، ولم يترتب على سفره ضيعة الأم؛ لوجود من يقوم برعايتها، فلا يشترط له إذن الوالدة، ولا يكون عقوقا، وإن اختل شيء من هذه الشروط الأربعة اشترط لجواز السفر إذن الأم، فإن سافر بغير إذنها كان عاقا، قال شيخ الإسلام زكريا الأنصاري: ولا يشترط إذنهم للخروج لسفر التجارة، ولو بعد؛ كي لا ينقطع معاشه، ويضطرب أمره، إلا للخروج لركوب بحر، وبادية مخطرة، فيشترط ذلك لشمول معنى البر والشفقة .اهـ.
وقال أصحاب الموسوعة الفقهية: وضع فقهاء الحنفية لذلك قاعدة حاصلها: أن كل سفر لا يؤمن فيه الهلاك، ويشتد فيه الخطر، فليس للولد أن يخرج إليه بغير إذن والديه؛ لأنهما يشفقان على ولدهما، فيتضرران بذلك، وكل سفر لا يشتد فيه الخطر يحل له أن يخرج إليه بغير إذنهما، إذا لم يضيعهما؛ لانعدام الضرر، وبذا لا يلزمه إذنهما للسفر للتعلم، إذا لم يتيسر له ذلك في بلده، وكان الطريق آمنا، ولم يخف عليهما الضياع؛ لأنهما لا يتضرران بذلك، بل ينتفعان به، فلا تلحقه سمة العقوق، أما إذا كان السفر للتجارة، وكانا مستغنيين عن خدمة ابنهما، ويؤمن عليهما الضياع، فإنه يخرج إليها بغير إذنهما، أما إذا كانا محتاجين إليه وإلى خدمته، فإنه لا يسافر بغير إذنهما. اهـ.
وللمزيد تنظر الفتاوى التالية أرقامها: 107996, 60672، 105345.
فإن كانت الأسباب التي تبديها الوالدة للمنع من السفر راجعة إلى الحالات السابقة، فقد أوضحنا الحكم الشرعي لكل حالة، وإن كانت تلك الأسباب مجرد ذرائع محضة، فلا وزن لها، قال الإمام ابن حجر الهيتمي: وحيث نشأ أمر الوالد، أو نهيه عن مجرد الحمق، لم يلتفت إليه؛ أخذا مما ذكره الأئمة في أمره لولده بطلاق زوجته. اهـ.
وأخيرا نوصي الأخ المسافر بأن يجتهد في إقناع الوالدة بسفره، وفي استرضائها بكل سبيل مشروع، ولو كان سفره مما يباح دون إذنها، وإن أصرت على الرفض، ولم يكن عليه ضرر في ترك السفر، فالأولى تركه برا بالوالدة، فإنها أحق الناس بحسن صحبة ولدها، وإن برها لمن أفضل القربات عند الله، فعن أبي الدرداء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الوالد أوسط أبواب الجنة، فإن شئت فأضع هذا الباب، أو احفظه. رواه ابن ماجه، والترمذي.
والله أعلم.