السؤال
يوسوس لي الشيطان ويقول لي: من خلق الله؟ فهل للرسول صلى الله عليه وسلم حديث عن هذا الأمر أو في القرآن؟.
يوسوس لي الشيطان ويقول لي: من خلق الله؟ فهل للرسول صلى الله عليه وسلم حديث عن هذا الأمر أو في القرآن؟.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ورد هذا المعنى في حديث أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لن يبرح الناس يتساءلون حتى يقولوا: هذا الله خالق كل شيء، فمن خلق الله؟. رواه البخاري.
ورواه مسلم بلفظ: قال الله عز وجل: إن أمتك لا يزالون يقولون: ما كذا؟ ما كذا؟ حتى يقولوا: هذا الله خلق الخلق، فمن خلق الله؟.
وفي حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يأتي الشيطان أحدكم فيقول: من خلق كذا؟ من خلق كذا؟ حتى يقول: من خلق ربك؟ فإذا بلغه فليستعذ بالله ولينته. رواه البخاري ومسلم، وزاد: فليقل آمنت بالله.
قال ابن الجوزي في كشف المشكل: المعنى: فليعرض عن مساكنة الفكر بعد هذا، فإن كل خصم ربما انتهى جدله، ووسوسة الشيطان لا تنتهي، فليس إلا التعوذ وقطع المساكنة لها، وإنما يستعين إبليس على هذه الوسوسة بالحس لا بالعقل، والحس لم يعرف وجود شيء إلا من شيء وبشيء، فأما العقل فيقطع على وجود خالق ليس بمخلوق. اهـ.
وقال الطيبي في شرح المشكاة: ولينته ـ أي وليترك التفكر في هذا الخاطر وليستعذ، وإن لم يزل التفكير بالاستعاذة فليقم وليشتغل بأمر آخر، وإنما أمر بالاستعاذة والانتهاء عنه، والإعراض عن مقابلته، لا بالتأمل، والاحتجاج بوجهين:
الأول: أن العلم باستغنائه تعالى عن المؤثر والموجد أمر ضروري، لا يقبل الاحتجاج والمناظرة له. وعليه، فإن وقع من ذلك شيء كان من وسوسة الشيطان، لأنه مسلط في باب الوسوسة، ووساوسه غير متناهية، فمهما عارضته فيما يوسوس بحجة يجد مسلكا آخر إلى ما ينفيه من المغالطة والتشكيك، وأدنى ما يفيده من الاسترسال في ذلك إضاعة الوقت، فلا تدبير في دفع ذلك أقوى وأحسن من الاسعاذة بالله تعالى، قال الله تعالى: وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله.
وثانيهما: أن السبب في اعتوار أمثال ذلك احتباس المرء في عالم الحس، وما دام هو كذلك لا يزيد فكره إلا انهماكا في الباطل، وزيغا عن الحق، ومن كان هذا حاله فلا علاج له إلا الالتجاء إلى الله تعالى للاعتصام بحوله وقوته بالمجاهدة والرياضة، فإنهما مما يزيل البلادة، ويصفي الذهن، ويزكي النفس. اهـ.
وقال ابن العراقي في طرح التثريب: في هذا الحديث أن ذلك من وسوسة الشيطان، وأنه يحرم النطق به ويجب الإعراض عنه، ودفعه عن الخاطر وأن يلجأ الإنسان إلى الاستعاذة بالله تعالى من الشيطان ليكفيه شر وسوسته وفتنته، وإليه الإشارة بقوله تعالى: وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم {فصلت: 36} وسبب ذلك أنه لا سبيل إلى محاسنة الشيطان لتأصل عداوته وتأكدها، وأنه لا يدفع كيده إلا الاستعاذة بالله تعالى منه، وفيه أنه ينبغي مع الإعراض عن ذلك والانتهاء عنه النطق بالإيمان والتصريح به، فيقول: آمنت بالله ورسله. اهـ.
وتبين مما سبق أن الانتهاء عن هذه الوساوس، والاستعاذة منها، والإعراض عنها بالكلية، دون فكر ولا نظر، يكون في حال اعتمادها على الحس، دون أن تصاحبها شبهة عقلية مستقرة، فأما إذا اقترنت بشبهة عقلية واستقرت في النفس فلا بد من دفعها باستدلال ونظر، قال القاضي عياض في إكمال المعلم بفوائد مسلم: والذي يقال في هذا المعنى: إن الخواطر على قسمين:
فأما التي ليست بمستقرة ولا اجتلبتها شبهة طرأت، فهي التي تدفع بالإعراض عنها، على هذا يحمل الحديث، وعلى مثلها يطلق اسم الوسوسة، فكأنه لما كان أمرا طارئا على غير أصل دفع بغير نظر في دليل، إذ لا أصل له ينظر فيه.
وأما الخواطر المستقرة التي أوجبتها الشبهة فإنها لا تدفع إلا باستدلال ونظر في إبطالها، ومن هذا المعنى حديث: لا عدوى ـ مع قول الأعرابي: فما بال الإبل الصحاح تجرب بدخول الجمل الأجرب فيها ـ وعلم النبي صلى الله عليه وسلم أنه اغتر بهذا المحسوس، وأن الشبهة قدحت في نفسه، فأزالها عنه صلى الله عليه وسلم من نفسه بالدليل، فقال له: فمن أعدى الأول؟ بسط هذا أنه صلى الله عليه وسلم كأنه قال له: إذا كنت تقول إن هذه الجربة جربت من هذا العادي عليها، فهذا العادي أيضا ممن تعلق به الجرب؟ فإن قلت: من غيره ألزمناك فيه ما ألزمناك في الأول حتى يؤدى ذلك إلى ما لا يتناهى أو يقف الأمر عند جمل وجد الجرب فيه من غير أن ينتقل إليه من غيره، وإذا صح وجود جرب من غير عدوى، بل من الله سبحانه، صح أن يكون جرب هذه الإبل من نفسها لا من غيرها. اهـ.
والله أعلم.